(رجال حول الرسول)
( خبيب بن عدي بطل فوق الصليب)
اللهم صل على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى اله وصحبه وسلم تسليما
*نحن الآن نقف أمام اروع قصة في التاريخ لأصحاب العشق المحمدي في عقيدة الفناء بروحية الاسلام ليس لها نظير في فن التضحية والفداء فنقف أمام هذا الجثمان المصلوب لنتعرف على هذا الرمز المحمدي أنه (خبيب بن عدي) استاذ في فن التضحية فإنه شرف لكل انسان٠٠من كل دين ٠٠من كل مذهب ٠٠من كل جنس٠٠ وفي كل زمان٠٠٠٠انه من قبيلة الأوس وانصارها٠٠٠تردد على رسول الله صل الله عليه وآله وسلم وآمن به كان عذب الروح شفاف النفس وثيق الإيمان ريان الضمير كما وصفه شاعر الاسلام (حسان بن ثابت)
صقرا توسط في الأنصار منصبه ***سمح السجية محضا غير مؤتشب٠
ولما وقعت(غزوة بدر) كان جنديا باسلا ومقاتلا مقداما وكان قد قتل بسيفه في معركة بدر (الحارث بن عامر بن نوفل) وبعد انتهاء المعركة وعادة فلول قريش المهزومة عرفوا أولياء الدم قاتل (الحارث بن عامر) وحفظوا هذا الاسم الذي صرعه في المعركة وذات يوم أراد الرسول صل الله عليه وآله وسلم أن يقبلوا على سرائر قريش ويتبينوا ماترامى إليه من تحركاتهم واستعدادها لغزوهم الجديد ٠٠فاختار من أصحابه عشرة رجال من بينهم (خبيب بن عدي) وجعل أميرهم(عاصم بن ثابت) وانطلق الركب حتى بلغوا مكانا بين عسفان ومكة ونمي خبرهم إلى حي من هذيل يقال لهم (بنو يقظان) فسارعوا إليهم بمائة رجل يتعقبونهم ويقتفون آثارهم وكادوا يزيغون عنهم لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال فتناولوا بعض هذا النوى وتأملوه بما كان للعرب من فراسة عجيبة ثم صاح في الذين معه: (هذا نوى يثرب فلنتبعه حتى يدلنا عليهم حتى أبصروا ضالتهم في التتبع لهم ٠٠ واحس أميرهم (عاصم بن ثابت)أنهم وقعوا في قبضتهم فأمرهم صعود قمة عالية على رأس الجبل واحاطوا بهم من كل جانب مشركي قريش واحكموا عليهم الحصار ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن اعطوهم موثقا إلا ينالهم سوء٠٠ التفت العشرة إلى أميرهم (عاصم بن ثابت)رضي الله عنهم أجمعين وانتظروا بم يامر٠٠٠فأذا هو يقول :((أما أنا فوالله لا أنزل على ذمة مشرك٠٠اللهم أخبر عنا نبيك))٠٠٠ودار التراشق بالنبال فأصيب أميرهم (عاصم ) واستشهد وأصيب سبعة معه واستشهدوا ونادوا الباقين ان لهم العهد والميثاق أن نزلوا ونزل الثلاثة ( خبيب بن عدي ) ومعه صاحبيه واقترب المشركين من خبيب وصاحبه (زيد بن الدثنه) وربطوهما ورأى زميلهم الثالث غدرهم فقرر أن يموت حيث مات أميرهم عاصم واخوته٠٠واستشهد حيث اراد٠٠ وقاداهما إلى مكة اسيرين حيث باعوهما لمشركين قريش وتذكر بنو( الحارث بن عامر )قتيل بدر٠٠ وسارعوا إلى شرائه بغية الانتقام والثأر وراحوا يسقونهم مر العذاب هو وصاحبه ( زيد بن الدثنه) وكان خبيب بن عدي مع الله٠٠ وكانت يد الله عليه٠٠دخلت عليه إحدى بنات (الحارث) الذي كان أسيرا في داره٠٠فغادرت مكانه مسرعة تناديهم لكي يبصروا عجبا ٠٠٠(بعد أن رأته يحمل قطفا كبيرا من عنب يأكل منه٠٠وانه موثق بالحديد ٠٠وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة اي في غير موسمه ((ما أظنه إلا رزقا رزقه الله لخبيب)) نعم إنه رزق آتاه الله لعبده الصالح وهذه من كرامات الصحابة والاولياء كما آتى من قبله مريم بنت عمران يوم كانت :(( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ٠٠ قال : يامريم من انى لك هذا٠٠؟؟قالت هو من عند الله ؛ أن الله يرزق من يشاء بغير حساب)) وحمل المشركون إلى (خبيب) نبأ مصرع زميله وأخيه (زيد بن الدثنة ) رضي الله عنه ٠٠ظانين بهذا يستحقون أعصابه ويذيقونه ضعف الممات وما كانوا يعلمون أن الله نزل عليه السكينة والاطمئنان والرحمة ٠٠كان ايمان( خبيب) كالشمس قوة وبعدا ونارا ونورا٠٠٠ كان يضيء كل من التمس منه الضوء ويدفيء كل من أراد منه الدفء أما الذي يقترب منه ويتحداه فإنه يحرقه ويسحقه ٠٠٠ وقادوا البطل إلى مكان يسمى التنعيم حيث يكون هناك مصرعه٠٠ حتى استأذنهم (خبيب) في أن يصلي ركعتين واذنوا اله ظانين أنه قد يجري مع نفسه حديثا ينتهي باستسلامه وإعلان الكفران بالله ورسوله ويدينه٠٠ وصلى البطل الشامخ بإيمانه وعقيدته الراسخة بهيبة ووقار وفي خشوع وسلام ٠٠وتدفقت في روحه حلاوة الإيمان قوة لو ظل يصلي لكنه التفت صوب قاتليه وقال لهم (( والله لولا أن تحسبوا أن بي جزعا من الموت لأزددت صلاة))٠٠ثم شهر ذراعيه نحو السماء وقال: ((اللهم احصهم عددا٠٠واقتلهم بددا)) ثم تصفح وجوههم وأخذ ينشد بعزم المتدرعين بالإيمان قائلا:
ولست أبالي أن اقتل مسلما ***على اي جنب كان في الله مصرعي٠
وذلك في ذات الاله وان يشأ***يبارك على أوصال شلو ممزق٠
ولعله لأول مرة في تاريخ العرب يصلبون رجلا ثم يقتلونه فوق الصليب ٠٠ لقد أعدوا من جذوع النخل صليبا كبيرا أثبتوا فوقه (خبيبا بن عدي) وشدوا فوق أطرافه وثاقه واحتشد المشركون في شماتة ظاهرة ووقف الرماة يشحذون رماحهم٠ ومارسوا هذه الوحشية كلها في بطء مقصود أمام البطل المصلوب ٠٠لم يغمض البطل عينيه ولم تزل السكينة المضيئة في وجهه وبدأت الرماح تنوشه والسيوف تفري لحمه وتنهشه وهنا اقترب منه احد زعماء قريش وقال له:( اتحب ان محمدا مكانك وانت سليم معافى في أهلك)؟٠٠ وهنا انتفض الأسد كالاعصار في عقيدة راسخة وصاح في قاتليه:(( والله ما احب اني في اهلي وولدي ومعي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة ))٠٠نفس الكلمات قالها صاحبه( زيد بن الدثنه) وهم يهمون بقتله ٠٠هنا يضرب ابو سفيان كف بكف ويقول (مارأيت أحدا يحب أحد كما بحب اصحاب محمد محمدا) ولكن العجب العجاب أن اطلعكم على المشهد الرهيب حيث تجمعت عقبان الفلاة عندما تقترب من هذا الجثمان المسجى على الصليب وكأنما تحدث بعضها البعض وتمضي الطيور الجارحة بعيدا٠٠بعيدا٠٠ بكرامة الله لكأنها تشم رائحة بحاستها عبير هذا البطل الصالح الاواب فخجلت أن تناله بسوء ومضت عقبان السماء إلى رحاب الفضاء متعففة منصفة٠ وبقي الجثمان معلق ٠٠ وقد يمم (خبيب) شطر السماء وابتهل إلى ربه العظيم قائلا :(اللهم إنا بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما يصنع بنا )) ولقد غمر احساس النبي عليه الصلاة والسلام أن أصحابه في محنة ومن فوره دعا (المقداد بن عمرو ) (والزبير بن العوام ) إلى المكان المنشود وانزلا صاحبهما (خبيب) حيث كانت بقعة طاهرة تضم جثمانه المهيب ولا يعرف لحد الان اين قبر (خبيب) حتى يظل مكانه في ذكراه التاريخ وضمير الحياة ؛ بطلا فوق الصليب٠
اعداد السيد جعفر طاهر العميدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق