الثلاثاء، 16 أبريل 2024

التغريدة طوت صفحة فنون الآدب السابقة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 التغريدة طوت صفحة فنون الآدب السابقة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ.د رشيد عبّاس
بدأ العالم فعلياً هذه الأيام يودع جميع فنون آدابه المعروفة لدى الجميع والمتمثلة في الرواية والقصة والمقالة والخاطرة والشعر.. ليستقبل بكل شغف (التغريدة) والتي باتت تحملُ في ثناياها نص لفكرة قصيرة جداً, لكنها في نفس الوقت كاشفة بشكل كبير لواقع سياسيي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ديني موجود على ارض الواقع دون الّلت والعجن والإطالة الذي كان موجود سابقاً في تلك الفنون, مع تأكيدي هنا على بقاء بعض هذه الفنون هنا وهناك وبين الفينة والاخرى والتي تحمل في مضامينها الحب والعشق والجنس والقدح والذم والتشميس, وكشف الأسرار السياسية والاقتصادية والاجتماعية الماضية والحاضرة للمجتمع.
من هذا المنطلق كان على الأدب أن يتموضع من جديد, وأن يؤسس جيداً بوجود التكنولوجيا لشكل ومضمون فن جديد أخذ اليوم أسم (التغريدة), ويضع لها قواعد وأطر فنية كي لا تنفلت كما انفلتت بعض الروايات والقصص والاشعار عن مسارها الحقيقي في العقود الماضية.
كان الرد والتعليق على فنون الأدب السابقة (الرواية والقصة والمقالة والخاطرة والشعر..) يتم من خلال أدب آخر يدعى النقد والتحليل والإشهار والتقديم والتزكية, في حين أن الرد على (التغريدة) اليوم يتم من خلال مئات أو ربما آلاف التعليقات في نفس مكان وزمان التغريدة, وذلك حسب نوع التغريدة والتي قد تأخذ اشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناقدة أو ربما الساخرة.
وكما أن كثير من الروايات والقصص والمقالات والخواطر والأشعار انفلتت في أزمنتها وأمكنتها السابقة وأخذت أغراض مختلفة ومتنوعة, فإنني أرى وللأسف الشديد انفلاتا قادماً أكثر ضراوة وقساوة في شكل ومضمون (التغريدة) عنها في الروايات والقصص والمقالات والخواطر والأشعار, وربما يعود ذلك إلى تعدد وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي الالكترونية, مقارنة مع صعوبة التواصل الاجتماعي والمتمثلة في وقتها بالصحف والمجلات الورقية, وأحياناً المذياع والتلفزيون في عصر الروايات والقصص والمقالات والخواطر والأشعار.
اعتقد جازماً أن تغيير طبيعة حياة البشر وأنماط معيشتهم, وضيق سبل السعي وراء الرزق والتحديات الاقتصادية التي تواجه الإنسان, والتطورات التقنية في وسائل الاتصال والتواصل وغيرها من أسباب, جعلت وقت الإنسان المتاح محدود, الأمر الذي ساعد على اتساع دائرة استخدام (التغريدة), وتراجع واضح وقادم في فنون الآدب السابقة والمعروفة.
اليوم كثير ما يفاجئنا بعض الزعماء والرؤساء والملوك بتغريدة قصيرة لها دلالات سياسية واقتصادية واجتماعية تحاكي واقع الإقليم بشكل عام وما يمر به هذا الإقليم من أزمات ومستجدات متغيرة, لتأخذ تلك التغريدة مزيد من التعليقات المؤيدة والداعمة, وربما المعارضة لها من قِبل كثير من شعوب المنطقة ككل.
إن عالمية التغريدة بات قاب قوسين أو أدنى.. كيف لا والعالم أصبح شقة صغيرة, أبوابها مُشرعة أمام الجميع, ونوافذها تُطل على بعضها البعض, لذلك علينا هنا أن نُمكّن ونهيئ النشء الجديد والجيل القادم وكتّابنا وأدباءُنا منهجية كيف يغردوا, وكيف يردوا على التغريدة بكل موضوعية, كي لا يقعوا في حيثيات قوانين وقواعد النشر المعمول بها في هذا الاتجاه.
دمتم بخير.
أ. د رشيد عبّاس.
الأردن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كيف أنّجو من غوصّي فيكِ

  كيف أنّجو من غوصّي فيكِ وصوتكِ يجعلني فيهِ غريق كيف أنقذ نفسي من جحيمكِ وهمسكِ يشعلّ في صدري الحريق كيف أجد السبيل الى خلاصي منكِ وكلما اه...