(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم :تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
------------------------------------------------------
سنوات الخراب
بعد غزو الجراد الذي أتى على كل شيء في القرية ،وأباد الجمال فيها ،وحول الأرض إلى خراب ،وجوع ،وتفشت الرذيلة فيها، وإزداد نشاطها في الوادي المعتم.
فهذه تبيع جسدها مقابل علبة حلاوة،وتلك تقدمة مقابل علبة سردين ،وأخرى بالمجان، فتحالف على القرية الجوع البطني مع الجوع الجسدي.
فكان ذلك كله مكسب للتجار المتجولين الذين يحضرون من المدينة طالبين اللذة والذين لم يعد يعنيهم الربح بقدر مايعنيهم إشباع رغباتهم.
* * * * * * * *
أزاح يحيى التراب، وأخرج جرة فخارية مغطاة بالخيش، ثم أزاح بعض الحصى والطين الذي يسد فتحتها،لينبهر بالبريق واللمعان،لقد كانت الجرة معبأة بالذهب والمجوهرات.
وكانت قد جرتها السيول التي أزعجت سبات سكان القبور الأثرية القديمة،
خلع يحيى قميصه ولفها به وحملها ونهض عائدا إلى المنزل.
حتى متى ما وصل إلى المنزل قال له الأب:
-شو هذا إلي معاك ولك؟
لكن يحيى لم يرد ومشى إلى أمه وقال لها:
-يمه لقيت إلكي ذهب ومجوهرات ،رايحه تصيري غنيه كثير؟
نهض الأب بسرعة وأخذ الجرة منه وأفرغ محتوياتها على الأرض وسط فرحة الجميع ،وقال بثقة:
-بس إحنا مابنعرف إشي عن الذهب وكيف نتعامل بيه ،بعدين يمكن مايطلع ذهب ومجوهرات ،خلينا نعطيه لعليان الحجار وهو بشوف شو بده يسوي بيه وأكيد إذا طلع ذهب ومجوهرات غير يعطينا حصتنا منه؟
وفي الحقيقة أن حميدان لايستطيع فعل أي شيء دون الرجوع إلى عليان زوج ابنته ،فقال زكي بخبث:
-بس بلاش يحيى يروح يحكي ويفضحنا ويصل الخبر للحكومة في المدينة ويوخذوه منا وكمان نتبهدل؟
هنا برقت عيون حميدان وقال:
-تعال جاي وله ،والله لو أسمع إنك جبت سيره هون وللا هون إني لقص خبرك،فاهم ،هذا أول إشي، وثاني إشي إنت إلك كتله على إلي سويته هذاك اليوم وانا بعدني ماني ناسي؟
صمت يحيى صمت الموافقة أولا والاذعان ثانيا للتهديد والوعيد.
قالت فريال خالطة الهذر بالجد:
-طيب ليش ماتسامحه عشان لقي إلنا ذهب؟
-قلت إلكي سكري ثمكي يامره ولاتجيبي سيرة الذهب على لسانكي من هاظا اليوم؟
فنهض ووجه صفعة ليحيى على وجهه ، لم توقعه أرضا هذه المرة لكن أصابعه الكبيرة تركت أثرهاة إحمرارا كالدم على وجنته البيضاء.
* * * * * * * *
خفق قلب مريم بشدة ووقعت على الأرض صارخة ،جرت أمها إليها مذعورة وقالت وهي ترفعها عن الأرض :
-بسم الله عليكي يمه ..ويش مالكي؟
قالت مريم وهي ترتعش :
-يحيى..يحيى يمه؟
-إيش ماله يحيى.
-خدي...آآخ...؟
نظرت أمها إلى وجهها فشعرت بالدهشة ،لقد رأت آثار أصابع كما وأنها قد تعرضت للتو لصفعة على وجهها، وقالت :
-ياساتر يارب .
وكان بالفعل قد تزامن ظهور أثر الأصابع على وجهها مع الوقت والزمن الذان تعرض فيهما يحيى للصفعة من قبل الأب على وجهه.
والحقيقة لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك.
* * * * * * * *
أما الشيخ عبد الكريم فقد خفق قلبه بشدة وتشردق بالماء عندما كان يشرب وهو في منزله،وقال :
-يحيى؟
* * * * * * * *
قال حميدان :
-هذا الجف بس مشان يميني يله روح من قدامي؟
وحتى لا يشك أحد في الأمر إصطحب حميدان الأسرة جميعها في زيارة إلى عليان ومعهم جرة الذهب.
* * * * * * * *
وصلت عائلة حميدان ومعهم يحيى إلى منزل عليان ،إستقبلتهم سارة بفرح وحفاوة، أما غروب فعندما رأت يحيى فرحت وسال لعابها ،وقالت له مشجعة:
-يحيى يله بينا مشوار على شجر اللوز وسحسيلة الصخر وعين المي في الوادي،المكان إلي إنتي بتحبه؟
كان يحيى مطمئن بأنها لن تغويه كونهما سيكونان في الخلاء وفي وضح النهار ،لكنه وللاطمئنان أكثر سألها مستوضحا:
-طيب وين أخوكي حسن مابدوش يروح معانا؟
-هسى بلحقنا لأن أمي ودته يشتري شوية أغراض من الدكانه.
خرج يحيى مع غروب ،وأثناء الطريق كانت لاتكف عن المزاح مع كل شاب تراه في الطريق ،من أجير البقال، إلى أجير اللحام ،إلى إبن الجيران ،فبائع الهريسة، وهذا الأخيرالذي أخذت منه قطعة مجانية؛قد تكون مجانية ، وأطعمت يحيى نصفها.
ماأن أصبحا في منتصف المنحدر حتى نزعت سروالها كي يبقى فستانها بلا سروال تشبها ببنات المدينة، وصور الممثلات على أغلفة المجلات التي يحضرها أخوانها من المدينة.
وصلا إلى بستان اللوز ،جرى يحيى إلى الأشجار متسلقا لقطف اللوز ،لم يلحق بهما أخيها حسن ولن يلحق بهما لأن غروب كانت تعلم بأنه قد رافق أمها في زيارة لخالتها"حميده" البعيدة ،نادت على يحيى وقالت له:
-أقعد هون على العشب فيه معانا وقت بنلقط لوز..بدي أرقص إلك ؟
-ليش.
-ههههههه كيف ليش ،يعني مابدك إتشوف رقصي ..رايح يعجبك كثير؟
جلس يحيى على مضض.. نزعت غروب غطاء رأسها..فردت شعرها الطويل على كتفيها محاولة أن تبدو أجمل ..رفعت فستانها بحيث يصبح فوق الركب بشبرين حتى يظهر لباسها الداخلي مع كل حركة تقوم بها ،محاولة أن تكون مثيرة قدر الامكان ،ربطت فستانها بواسطة غطاء الرأس لتثبيته كي لاينزل ثانية ،كاشفة كامل فخذاها اللتان قل ماينكشفان على الشمس ،ولهذا إحتفظتا ببياضهما، وبدأت بالرقص الفاحش.
تتشتت مشاعر يحيى وهو يرى فخذاها السمينتين تهتزان فوق رأسه كاللبن المسكوب بسخاء.
بدأت تقترب منه أكثر وأكثر حتى أصبحت بين ساقيه،خشي أن يقع على ظهره ،مد يديه إلى الوراء مستندا عليهما كعارضتان،عندها تذكر تلك الليلة الظلماء فحرك فيه ساكنا، ليوقظ ثعبان الخطيئة في ثيابه لأول مرة.
حاول إغماض عينيه ،فلم يستطع،أشاح بوجهه إلى يمينه ؛فظهر طيف مريم لائمة.
أشاح بوجهه إلى يساره ليظهر طيف عبد الكريم محذرا.
فشعر بالحياء منهما ،ورغبة بالبكاء ، دفع نفسه إلى الوراء مستعينا بميلان الأرض، نهض ..أراد أن يجري لكنه وقع وتدحرج مع المنحدر ،فأصيب بعدة كدمات ،وكان ذلك كفيلا بإطفاء تلك الرغبة الجامحة التي إشتعلت في جسده منذ لحظات.
أنه الضدان في قانون الخليقة؛اللذة والألم ،العذاب والنعيم، الجنة والنار.
الحب الروحي، والحب الجسدي. يظهر شاب كانت غروب تعرفه،وقد تواعدت معه، وقد اخلف وعده في المرة السابقة ،ضحك وقبل أن يبرر قالت له:
-والله إني عارفه إنك كذاب ياصالح ..أكيد كنت مع وحده ثانيه يارخيص؟
-ههههههه والله إنه أبوي أخذني معه على الشغل..هو أنا بقدر أغيب عنكي لحظة ياغروب ؟
قالت محاولة إخفاء شغفها وشوقها الملتهبان:
-طيب خلص سماح هذه المرة؟
ثم غمزت له مشيرة إلى رفيقها الصغير وقالت موجهة كلامها ليحيى:
-يحيى روح لقط لوز على بين مايجي حسن ؟
جرى يحيى إلى شجرة وتسلقها بينما جرت غروب مع الشاب ليندسان تحت إحدى الأشجار.
بينما كان يحيى يتنقل كفراشة من شجرة إلى أخرى ،رآى سيقانهما تظهران من تحت إحدى الأشجار يحكان التراب كمحاريث الزراعة،بينما هما يفترشان الأرض، فبدوا كالقطط في شباط.
* * * * * * * *
قبل مغادرة الأسرة من منزل عليان يسأل حميدان عليان:
-وشو بدنا نسوي ؟
-بالنسبة.
بالنسبة للذهب؟
ثم يرد عليان بضيق:
-آه..الذهب ..خليه على بين ما أورجيه لواحد بعرفه في المدينة ..طول بالك،لاتفرح كثير يمكن مايطلع ذهب؟
والحقيقة أن عليان كان يكذب.
(يتبع.....)
تيسيرالمغاصبه
١٠-٢-٢٠٢٤
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق