من كتاب دموع الورد
السحر الابيض
خلف القضبان بين اربعة جدران اجلس وحيدا فى تلك الزاوية من الغرفة التى لاتزيد مساحتها عن خمسة امتار أتأمل الضوء الهارب من الخارج الى داخل الزنزانة من خلال فتحة صغيرة فى اعلى الجدار ؛ارتدى البدلة الحمراء وانتظر الموت كل يوم انا لا اخاف منه بل تعبت ومللت النهاية ؛انا استحق الاعدام الف مرة وليست واحدة فقط ؛قررت ان اكتب حكايتى لتكون عبرة لغيرى فانى راحل لا محالة ؛لن يطول الوقت كثيرا فمهما كان فالموت قادم ؛ استعجله كل يوم تشرق شمسه ان ياتى ويزيح الالم عن صدرى فليس لحياتى ادنى معنى ؛من البداية لكن فين البداية اصلا دورت عليها كتير امتى ابتدأت الحكاية ووصلت هنا ليه .
عرفت هبدء من فين من اللحظة اللى اتغيرت فيها حياتى ؛سن المراهقة وانا فى حارة زيها زى اى حارة ناسها غلابه والفقر الطبع الغالب فيها ؛انا اسمى عمر محمود وشهرتي فى الحارة الفنان كان نفسى من انا وصغير اطلع فنان مشهور كل الناس تشوفني تشاور عليا يكون عندى معجبين ومعجبات وفلوس وكمان عربية احدث موديل ؛اسكن فى ارقى الاماكن واشتراكات فى النوادى .. احلام كتيرة اصحى كل يوم على امل انها تتحقق لكن ازاى سؤال ديما يفوقنى ؛ انا فى الدنيا دى مع امى الست اللى بعد ما مات ابويا فضلت على ماكينة الخياطة يوم وراء يوم علشان اختى تتعلم وتشتغل استاذة فى المدرسة الابتدائى اول الحارة وانا اخدتها من اخرها كفاية دبلوم صنايع قسم لحام واهو مقضيها من ورشة لورشة ؛امى تعبت كتير علشانى انا واختى ضحت بكل حاجه جميلة علشان احنا نكون مبسوطين حتى لما نظرها ضعف ولبست نضاره و عايشه على مسكنات لآلم العظام مش قادرة ترتاح حلمها تشوف اختى متجوزة سعيدة وتشوفنى انا محقق أحلامي ؛ وعمر الاحلام لوحدها مش كفاية هى عارفة ده وبتتعب علشان اختى يوم ما يتقدم ليها حد مش تكون اقل من اى بنت وتجهزها ومفيش حاجة تنقص منها ؛كتير اتمنيت انى اكون جبل صامد زيها اتحمل المسئولية وتفكيري يكون عاقل او يرسم طريق لبكرة يحاول يوصل ليه ؛ لكن وهى كلمة.. لكن.. دى سبب فشلى فى الحياة ؛كل حاجه فى حياتى لكن ليه.. اتولدت فى حارة مش قصر.. لكن ليه شغال من ورشة لورشة مش صاحب مصنع .. او ابن فنان واكيد كنت هطلع فنان ؛عشت فى كلمة لكن كتير كل حاجه صعبة فى الحياة معايا بعديها لكن بحلم بخيال بوهم ؛عمرى ما فكرت ارسم انا الطريق واحاول اوصل لنهايته اكيد احساس جميل انى يكون فيه هدف فى الحياة نعيش علشانه؛ للأسف عرفت الكلام ده متأخر عرفته وانا كل لحظاتى معدودة فى الحياة .
الرجولة عندى هى السهر والخروج براحتى ومن قهوة لقهوة معظم وقتى ؛نسيت ان الرجولة مسئولية وكفاح وانها مش كلمة لكن هى افعال ؛ سهر ومن شلة لشلة حياة كلها فاضيه مفهاش حاجه مفيدة ؛ اشتغل شويه هنا وشويه هناك مش مستقر أحلامي كلها اوهام عايز مكسب سريع يبقى عندى فلوس ؛ اعيش حياة كلها سفر وسعادة ؛ديما مش محدد هدف ممكن اوصل ليه . حياة تافهة بكل معنى ؛ وخصوصا لما يكون اللى حوليك وتعرفهم فاشلين برضه فى الحياة .. اصدقاء حياتهم ايه ممكن اقول عنها ..مفيش فاضيه تائهين فى الحياة او ممكن تعتبرهم عدد وخلاص ؛اوقات كتير نصحتنى امى وحتى اختى الصغيرة عنى ؛ اشوف حياتى شكلها ايه ولازم اغيرها وبلاش اصدقاء نهايتهم معروفة وبلاش اكون زيهم ؛لكن كنت بسمع لنفسى وبس وماشى وراءها ومش فارقة معايا كلام اى حد مهما كان قريب او بعيد منى ؛مش مهم عندى امى واختى عايشين ازاى او بيفكروا فى ايه او حتى حياتهم شكلها ايه .
وفعلا اللى يقرب من النار لازم يتحرق منها ؛ وانا كنت مش قريب منها لا .. انا فيها ويمكن فى وسطها بالظبط ومن حوليا الاوهام وشلة اصدقاء السوء ؛البداية بتكون كلمة مش اكتر واستعداد للانحراف ؛كلمة السحر هى جرب .. لا مش بشرب سجاير .. ياعم انت مش راجل جرب اهو بنطلع فيها غلب الايام ؛امسك بس دى ومش هتندم ومن هنا ابتدأت البداية فعلا ؛ بداية الانحدار والانكسار بداية الاستسلام لشيطان البشر ؛اللى هما عاملين فى الاصل اصدقاء ؛لكن عمرهم ما فهموا المعنى الحقيقي للكلمة ؛للأسف الصداقة بقت كلمة كتير بيقولها وكتير بيسمعها بس مين فهم معناها أو مين بيعمل بيها ؛ الصداقة جوهرة نادرة وغالية التمن كل ما بنحافظ عليها ونراعها كل ما بتزيد قيمتها ؛ هى دى البداية سيجارة واحدة نفس وراء نفس ودخان فى الهواء ؛وعمرها ما هتكون النهاية مجرد سيجارة واحدة ؛ كمان واحدة امسك يا عم اهو الكلام ولا بلاش ؛وسيجارة بعديها شيشة واهو كله تجربة ؛دلوقت اتمنى انى اكون راجل بجد فى اللحظة دى ومش ضعفت قدام اصدقاء السوء يمكن ساعتها النهاية كانت ممكن تتغير .
كتير بنعلق شماعة اخطائنا على انه مكتوب ومقدر ؛لكن ازاى و قدام عنينا الاختيار بين طريق الصح والغلط ؛ يعنى احنا اللى بنختار الطريق مش مجبورين عليه ؛القرار فى ايدينا بلاش نعلق الاخطاء على شماعات .
المهم من سيجارة لشيشة بدء المشوار ؛من قهوة لقهوة وسهرة بعديها سهرة ؛دى كل حياتى اللى اختارت امشى فيها ؛ ويا ريت وقفت عند الحد ده او فوقت وسمعت كلام امى واختى وكل الناس اللى بتحبنى ؛ ليه كنت اعمى من الحقيقة وشايف الغلط صح ؛ شايف نفسى واقف على حافة الجبل لو مشيت خطوة هسقط للقاع لكنى كنت مصمم على الانتحار .
وابتدى جرب كمان السيجارة محشية ..سالت يعنى ايه محشية .. يعنى حاجه تخلى الدماغ ترتاح من التفكير وتخليك ديما مبسوط ؛ لا يا عم كفاية على السيجارة كده . يا عم صدقنى مش هتندم كل همومك هتنتهى فى لحظة وهتشوف دنيا غير الدنيا ؛ زى كل مرة ضعفت وجربت اول نفس والتانى لقيت نفسى خفيف زى ما يكون طاير فى السماء اضحك واضحك ومفيش حاجه فى دماغى ابيض يا فل ؛ طريق واختارته خلاص مشيت فيه نص المشوار الرجوع منه مستحيل يمكن لو عندى ارادة كنت قدرت ولحقت نفسى ورجعت وابتديت من الاول ؛ لكن تهت خلاص من سيجارة لشيشة سادة ولا محشية بانجو حشيش هيروين وايه هيفرق كلها تجارب جربتها ؛ فى البداية كانت هدية شويه شويه لازم اشترى كل اللى اقبضه من الشغل اصرفه على الكيف ؛وحتى الشغل خلاص مفيش بعد ما الكل عرف انى ادمنت مين يرضى يشغل عنده حد مدمن ؛ عاطل بقت كلمة لازقة فى اسمى ؛نوم بالنهار وسهر بالليل للصبح كل يوم ؛خناقات مع امى واختى كل يوم مبقتش طايق البيت لكن كنت باخد اللى فيه النصيب من امى كانت بتحبنى وخايفه عليا ومش عارفه انى خلاص انتهيت ؛ بقايا بنى ادم بيمشى على الارض من جوه مفيش فاضي ؛ كانت بتسمع ورافضه انها تصدق نفسها يكون وهم وانه مجرد كلام وبس ؛ صعب امى طريق النور بعدت عن عينى ومش شايف غير الضلمة وشوك ماشى فيه .
ابتدت مرحلة جديدة فى حياتى مش عارف اقولها او عملتها ازاى ؛بس السبب معروف محتاج فلوس علشان اصرف على الكيف ؛ شلة السوء بقينا قطاع طرق نقف بالليل مفيش حد يمر الا لما يدفع المعلوم ونلم الفلوس وجرى على المزاج ينصرف ؛ يوم وراء يوم والدنيا بتسود اكتر واكتر ؛ ومبقتش الفلوس تكمل .
ساعتها ابتديت اسرق من البيت اى حاجه من غير ما حد يلاحظ ؛ او اسرق فلوس من دولاب امى واختى فى الاول حاجات خفيفة علشان محدش يحس ؛لكن الهم اللى انا فيه بحر مالح تشرب منه وعمره ما يروى العطش ولو شربته كله ؛ لحد اليوم المشؤم اللى اتغيرت فيه كل حاجه فاكر تفاصيله زى ما يكون امبارح ؛الدنيا مفلسة معايا ومحتاج الجرعة باى شكل حاولت اتصرف باى طريقة لكن الطرق كلها مسدودة ؛الحل الوحيد اللى فاضل البيت بسرعة على هناك دخلت وبشويش حاولت انى اخد اللى فيه النصيب من غير ما حد يحس لكن وقعت الفأس فى الراس ؛فوجئت بامى واختى واقفين عند باب الاوضة مش مصدقين اللى بيحصل ؛ كانوا بيكدبوا الكل حتى نفسهم؛ مش هتخرج من هنا .. لا امى ارجوكى ابوس على ايديك بلاش تقفى قدامى خلينى اخرج واوعدك هرجع بعد ما افوق ونتكلم بعدين .. كانت هى واختى مصممين مش اطلع من الاوضه دماغى كانت هتنفجر طلعت مطوه من جيبى قلت اهددهم واهرب بس هما كانوا بيحبونى اكتر من نفسهم ؛........... امى رمت بنفسها فى حضنى ضمتنى لصدرها الحنين ضمتنى بشدة ودموعها على خدها فضلت ماسكة فيه ومعرفش انى سكينى مزروع فى قلبها الطيب...بتضمنى وهى راحلة عن الدنيا وبيد مين اعز حاجه عندها ؛وقعت على الارض وعنيها فى عينى اتجمدت مكانى اختى بتصرخ وتعيط بتضرب فيا وانا مش هنا ؛ ببعدها عنى مش قاصد السكين فى يدى جرحتها واتخبطت فى طرف السرير وبتنزف من راسها ؛ كله ضاع الباب بيخبط الجيران سمعوا صوت اختى وهى بتصرخ كسروا الباب والمنظر كان بشع واقف متجمد مكانى والسكين فى يدى ؛مش قادر اتحرك او افكر ايه حصل بعد كده مش فاكر لقطات بتمر بسرعة اسعاف وشرطة ومستشفى وانا مربوط فى السرير وعسكرى فى الاوضة ؛ لقطات سريعة فوقت منها على الواقع المر .. على دم فى ايدى لاتنين كنت ليهم الروح والحب وانا كنت ليهم التعاسة والنهاية ؛بكيت كتير لكن ايه فايدة البكاء خلاص انتهت الحدوته والكتاب اتقفل ؛ الحكم بالاعدام حاجه قليلة؛ استحق اتعدم الف مرة ومرة يمكن ساعتها يمكن يسامحونى ؛مش خايف من الموت نفسه بس خايف من انى اقابلهم عينى تيجى فى عينهم ؛ عذاب بيأكل فى قلبى وعقلى صورتهم فى كل لحظة قدامى حتى النوم بخاف منه ومن احلامى ؛ كتبت حكايتى كلها بس فاضل كلمة واحدة لكل واحد توصل ليه حكايتى السحر الابيض خلى بالك منه .؛ اه السحر الابيض الادمان سحر البودرة البيضاء بينقلك من عالم لعالم تتخيل ان الدنيا ملكك ؛ تنسى همومك وقسوة الايام ؛ طيب خدها منى قبل ما السحر ينقلب عليك وبدل ما تنسى همومك هتزيد هتبيع الغالى والرخيص ؛ صدقنى هتخسر واول حاجه هتخسرها نفسك .
ودى النهاية مع شوية كلمات اسمعوها منى ؛لانها اخر كلمات من ميت ....
هات نفسين من الشيشة ..
وكتر يا بنى التعميرة ...
الدماغ طايرة وخفيفة ...
والدنيا ننساها بحشيشة...
هربان من دنيا الاحزان...
وكلام فاضى ولا مليان ...
فوقت يا عالم ومين يصدق...
الموت كتب معياده الليلة....
ماشى والندم جوايا ...
والحزن حالف ليرحل معايا...
ميت من غير كفن ....
وعايش من غير تمن ....
بقلمى
شريف القناوى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق