الثلاثاء، 16 يناير 2024

المنتحر

 المنتحر

رحل لأن بعض البشر تحالفوا بخبث مع الشيطان لإدانه كل نفس صالحة مصلحة فتم إغلاق المنافذ بإحكام وبث سموم اليأس وفيروسات الخراب وزراعة بذور إعدام الأمل في معقل الريش الراقي ليثمر المزيج انقطاع الصلة بالخالق وفراغا روحيا رهيبا ويأسا مطلقا في الرحمة الإلاهية.
رحل ذات يوم لأن قوى الشر الداخلية والخارجية تحالفت لصناعة حقير بائس تولى مسؤولية ما فأضحى يعيث فسادا بالتقاليد والأسس غارقا بشكل ممنهج في صياغة كل ما يوجه الفضل للحساب الخاص فعثرت البغلة وسقطت وحزنت حتى ألجمها الحزن و أخرصها للأبد تاركة رسالة خالدة لبني البشر ...ياهذا ما أنت بمشرف فقط بل عليك أوزار أمة و رعية وأجيال ... عليك هضبة لا أراك قادرا على حمل قيد أنملة منها يوم التلاق... عليك أثقال كل دمعة جرت خاطة نداء استغاثة... عليك وزر كل صرخة ألم نقشت بعميق ألمها حسرة محشورة في دهاليز أمل الحياة يوم تبخرت معها كل الصور الجميلة وارتقت بين مشاهدها للأبد في حين غفلة كل لوحات الخلاص.
رحل لأن أهل مكة تناسوا معرفة الشعاب ففوضوا أمر المهمة لأراذل القوم من غابت عن نفوسهم درر الإخلاص والوفاء واستشعار ثقل المسؤولية فتفنن بعضهم في الإساءة للمتحف البراق بسير النبلاء ولاحت بفعلهم في الأفق نظرية انزواء الأشراف للزاوية البعيدة بقلب الظلام إلى أن انطفأت الشموع وسكنت النسائم وذبلت الأشجار.
رحل لأن الشمس لم تشرق على غياهب القرار إذ حجبت النفوس الخبيثة خيوط بريقها عن مصادر التشريع ومناهج التسيير وأدوات البناء فزرع الغريب بمكر فكره البليد ونبت الجفاء مزهرا في بيوت الحضارة حتى تورمت أقدام أهل الأخلاق وتشققت ظهور حملة بذور الصلاح وهرع الجمع للإستقبال الحاشد لطلائع أنوار الحضارة المزعومة الصماء.
رحل لأن الشمس لم تعد تشرق لتنير و القمر لم يعد ملهما عاكسا لجمال الكون و النسيم فقد القدرة على كتابة رواية الأمل الذي بحد ذاته لم يعد يطل بأنامله الذهبية وهي ترسم مسار النجاة المتشبع بقوة جوارح طالبه.
رحل لأن السماء لم تعد ترسل غيثها بعدما زاغت الأمة عن رسالة الرحمان فمجدت الجاهل ورفعت التافه واحتقرت المعلم صانع الأجيال فلم يعد لهبوب جحافل العلوم أثر ولم يبق لحشود الحروف رسم أو قصيد أو رسالة بعدما انزلق الجمع بتفنن في صناعة الفراغ الروحي و تعظيم نجوم الرداءة عازلين للزاوية أهل الحكمة ونداءات ملك السماوات.
رحل لأن القدوة لم يعد خير البشر صلى الله عليه وسلم و لم تعد الآيات مرجعا ولا التقويم الإسلامي ضابطا للحياة اليومية بل تداخلت الأمواج بحلوها ومرها صانعة ضوضاء بغيظة لا معنى لها و لا أسلوب لها ولا حدود ثابتة تفصل برزانة المعايير الإلاهية وترسم بخطها الواضع دروب الفلاح في الدارين.
رحل لأنها النهاية والقدر المحتوم رحل لأن الورقة سقطت وانتهى المسير و جف رصيد الأيام أما الأمواج فقد غارت والنسيم وضع النقطة الختامية لرحلة طويلة من الأنفاس فارغة المحتوى تعمدت تجاهل نداءات الفلاح وأسست ذات لحظة ضعف لصراع بائس على جناح البعوضة .
محمد بن سنوسي
من سيدي بلعباس
الجزائر
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏ابتسام‏‏ و‏نص‏‏
كل التفاعلات:
Mustafa Çetın

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كيف أنّجو من غوصّي فيكِ

  كيف أنّجو من غوصّي فيكِ وصوتكِ يجعلني فيهِ غريق كيف أنقذ نفسي من جحيمكِ وهمسكِ يشعلّ في صدري الحريق كيف أجد السبيل الى خلاصي منكِ وكلما اه...