قصة قصيرة...
هي أُخته :::
افتتح الحاج خليل مصنعاً للنسيج بعد أن ساعدته أحدى المؤسسات الإقتصادية بأن قدمت له دراسة جدوى للمشروع ، وبعدها قام بتعيين عدداً من المهندسين المتخصصين وبعض العمال المهرة من الذين قد اكتسبوا خبرة في مجال صناعة النسيج من خلال عملهم في مصانع نسيج خارج الوطن .
كان المصنع يقع على مساحة ثلاث آلاف متراً مربعاً من مُجمل أرض يمتلكها على أطراف المدينة التي يقطنها ؛ وأضاف لها ألفيّ متر مربع أخرى لتكن ساحة مخصصة للشاحنات القادمة والمحملة بالغزل وبالنسيج و الخيوط التي تستخدم في صناعة النسيج والأقمشة المختلفة ، كان العمال يفرغون الشاحنات من حمولتها ويضعونها في الساحة التي خصصها الحاج خليل لذلك بعد أن هيأها للتخزين وقام بتعريشها لحفظ ما يتم تخزينه من الخيوط والغزل والقماش الذي يتم تصنيعه ليُحفظ من حرارة الشمس ومياه الأمطار .
مضت عدة أشهر وبعد أن بدأ المصنع يرسم خطى نجاحه من خلال وفرة وجودة إنتاجه، فقد أسعد ذلك الحاج خليل الذي لم يبخل بكرمه على جميع العاملين في المصنع دون أيّ استثناء فزادهم ذلك نشاطاً وأمانة ً واخلاصاً وتفانياً في عملهم.
أراد الحاج خليل أن يكون ولده الكبير عبد الرحمن مديراً للمصنع فدفع به للعمل في المصنع للتعرف على كل كبيرة وصغيرة في المصنع واكتساب الخبرات المختلفة التي تؤهله مستقبلاً لإدارة شؤون المصنع؛ فاندمج مع العمال والمهندسين ليكتسب المعرفة والخبرة في مجالات هذا العمل وقد سهل عليه ذلك تخصصه الدراسي في مجال الهندسة الميكانيكية ، وقد أعطاه والده صلاحيات مُطلقة في إدارة شؤون المصنع ونصحه بالاهتمام بالعديد من الأمور التي تُسهل عليه التعامل مع الموظفين في المصنع ومع التجار ، فكان على قدر كبير من تحمل المسؤولية فنهض بالإنتاج والجودة إلى حد أن أصبح المصنع ينافس في إنتاجه المصانع الكبرى داخل وخارج المدينة فتضاعفت مرابح الحاج خليل وأنعم الله عليه برزقٍ وفير فخصص نسبة مئوية من أرباحه لمساعدة الأُسر الفقيرة ودفع الرسوم الدراسية لبعض طلاب الجامعات من الفقراء والمحتاجين كما ساهم في دفع مهور الزواج لمن يحتاج من الشباب.
كانت حياة أسرة الحاج خليل مليئة بالسعادة وتقوى الله رغم ابتلائهم بفقدان الأبن الأكبر عبد الرحمن عندما ذهب ذات يوم بصحبة أخيه الأصغر ساري إلى البحر ليقضيا يوم عطلتهما على شاطئ البحر للاستجمام والسباحة التي لا يُجيدها أيٍّ منهما ؛ فسحب الموج والتيار عبد الرحمن إلى عُمق لم يستطع الخروج منه فبدأ ساري بالصراخ للحصول على النجدة والمساعدة لأخيه ممن قد يسمعونه، ولكن صراخ ساري لم يصل لأحد المنقذين إلا متأخراً ، وعندما حاول المنقذ الغوص إلى الأعماق محاولاً إنقاذ عبد الرحمن فوجده قد فارق الحياة غرقاً .
تلقى الحاج خليل خبر وفاة إبنه عبد الرحمن غرقاً في البحر فتسبب له ذلك بصدمة من ذهول هذا الخبر وحزن حزناً شديداً كما زوجته ختام أم عبد الرحمن والتي ظل الحزن يُلازمها طوال حياتها .
أنهى ساري الأبن الثاني للحاج خليل المرحلة الثانوية الدراسية والتحق بالدراسة الجامعية ؛ وتحت تأثير الصدمة التي تعرض لها الوالد والوالدة وخوفهم من المجهول وما يُخبئه لهما القدر فقررا أن يُزوجا أبنهما ساري الذي بلغ سن التاسعة عشر من عمره وكان اختيار الأم قد وقع على نسمات إبنة أختها لتكون زوجة لابنها ساري .
تم الزواج وأنجبت الزوجة نسمات ولدها الأول وتم تسميته من قبل الجدة أم عبد الرحمن ليحمل نفس اسم ابنها الذي قضى غرقاً في البحر فأطلقت عليه أسم عبد الرحمن ؛ وبعدها أنجبت نسمات إبنة أسمتها الجدة لتحمل أسمها هي وهو ختام .
مرت سنتان وكانت حياة ساري من إبنة خالته تفتقر للحب و العواطف يشوبها كثيراً من تدخلات والدته في شؤون حياتهما وبعض المشادات المتكررة بين الأم وزوجة ساري ، فراود الأم فكرة تزويج ساري بزوجة أخرى ، ولكن كيف ؟.
ولكن كيف لها أن تبعد ساري عن زوجته وهي إبنة أختها ، فلجأت إلى فكرة شيطانية عندما كانت مجموعة من صديقاتها في زيارة لها ويدور بينهن حديث في مختلف الأمور وتطرقن في حديثهن عن ساري وزوجته وكانت الأم تُظهر عدم رضاها عن هذا الزواج وتعمدت بأن تُخبرهن وبصوت مرتفع بأن زوجة ساري هي أخته بالرضاعة .
صمت الجميع في حالة من الذهول ؛ وصلت هذه المعلومة إلى مسامع ساري الذي كان يجلس في الغرفة المقابلة فاذهله ما سمعه على لسان والدته وأصبح شارد الذهن يرهقه التفكير في الأمر فأطلع والده عليه لمساعدته في تخطي تداعيات عقبات ما سمعه والبحث عن حقيقة الأمر فقام والده بسؤال الأم عن حقيقة ما قالته بأن ساري أخ نسمات بالرضاعة، فادعت بأن ذلك حقيقة ؛ ثم سألها لماذا لم تُخبري عن ذلك قبل الزواج ؟ ولماذا اقدمتي على اختيار إبنة أختك زوجة لابنها ساري؟.
سكتت الأم وأجابت بأن تأثير الصدمة التي تلقتها بسبب وفاة ابنها عبد الرحمن جعلت تفكيرها ينصب نحو تزويج ساري ولم يرد بفكرها بأنها أخته بالرضاعة .
قام الأب وساري بالتواصل مع الجهات الشرعية الرسمية وجميعها أكدت بأن زواج ساري من نسمات يعتبر زواجاً باطلاً ويجب أن يُطلقا .
انتهت الحياة الزوجية بين ساري و نسمات بعد أن تطلقا وحاول ساري الهروب من هذا الواقع المؤلم بأن اتجه لا كمال دراسته ومن ثم العمل في أحدى المؤسسات وبعد سنتين تعرف على فتاة تعمل معه في نفس المؤسسة وتزوجها وأقام منزلاً مستقبلاً ومعه ابنه وابنته من زوجته الأولى نسمات .
د. عز الدين حسين أبو صفية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق