حكايةُ العجوزِ أبي حُذَيْفة
جلسَ العجوزُ كما الضَحيَّةِ في سكونْ
وعلى الرصيفِ أمامَ مصْلَحَةِ الشُؤونْ
رجُلٌ على أحلامِهِ سطَتِ السُنونْ
وتكالبَ الأعداءُ ظُلْمًا والمَنونْ
عمِلَ العجوزُ أبو حُذيْفةَ راعِيا
وإلى المراعي كانَ دومًا ساعِيا
ولِأمرِ سيِّدهِ كذلِكَ طائِعا
وبِعيْشِهِ ما كانَ إلّا قانِعا
قبلَ اللُجوءِ وقبْلَ نكْبَةِ شعْبِهِ
عاشَ العجوزِ مُسالِمًا كَدأْبِهِ
مُتَعلِّقًا بالأرضِ بهْجةِ قلْبِّهِ
متوسِّمًا خيْرًا بِرحْمةِ ربِّهِ
في أرضِهِ عمِلَ العجوزُ بلا كللْ
وَمِنَ الصباحِ إلى المساءِ بلا مللْ
وبدونِ أيِّ تَذمُّرٍ وبدونِ كسلْ
متشبِّثًا بِترابِها مثل الجبلْ
عاشَ العجوزُ معَ الجميعِ على وِفاقْ
لا الحقدَ فيهم خصْلةٌ وكذا النِفاقْ
الحُبُّ ديْدَنُهُمْ وخصْمُهُمُ الشِقاقْ
لخيانةِ الأوطانِ ما لهُمُ انْزِلاقْ
كانَ الجميعُ بِرغْمِ سوءِ ظروفِهمْ
أرواحُهمْ وقلوبُهم لِضُيوفِهمْ
عِنْدَ الشدائِدِ تنحني لوقوفِهمْ
صفًا مَنيعًا صامِدًا بِأُلُوفِهمْ
وأبو حُذيْفَةَ لمْ يزلْ مُتفائِلا
حتى وإن كانَ الجنى مُتضائِلا
وهُوَ الّذي زرعَ الجمالَ شتائِلا
وَلِتسْعةٍ رُغمَ المشقَّةِ عائِلا
في ليلةٍ سوداءَ حالِكةِ القلوبْ
خرجتْ أفاعي الموتِ مِنْ بينِ الثُقوبْ
لِتُذيقَهُ مُرَّ المَذلَّةِ للشُعوبْ
ومرارةَ العيْشِ في ظلِّ الحُروبْ
وهناكَ في منفىً بلا أدنى حُقوقْ
وسْطَ الخِيامِ بكلِّ أصْنافِ الحُروقْ
في الروحِ حتى دونما قلبٍ خفوقْ
وجدَ العجوزُ حياتَهُ بينَ الشُقوقْ
منْذُ الصباحِ وعِندما اقتَرَبَ المغيبْ
وأبو حُذيْفةَ لا يَرُدُّ ولا يُجيبْ
وبدونِ إنذارٍ علا صخَبٌ رهيبْ
فجميعُهمْ شعروا بإذلالٍ رهيبْ
دخلَ الكثيرُ بِنايةً لِيُطالِبوا
بمعونةٍ لمْ تأتِهمْ ورواتِبُ
أمّا الذين بقوْا هناكَ فعاتبوا
ومعِ الرُجوعِ إلى البيوتِ تجاوَبوا
ظلَّ العجوزُ أبو حُذيْفةَ جالِسا
وعلى الرصيفِ بدا رغيفًا يابِسا
أوْ قدْ بدا لِعيونِ بعضٍ عابِسا
أوْ كانَ عنْ طلباتِهمْ مُتَقاعِسا
نظرتْ عجوزٌ للعَجوزِ وتمْتَمتْ
وتساءلتْ عنْ أمرِهِ فتَقدّمتْ
لِتَهُزَّهُ بعصًا ولكنْ أحجمتْ
ومتى هوى فوقَ الرصيفِ تَسمَّرتْ
ماتَ العَجوزُ ولمْ يُحقِّقْ حُلْمَهُ
برجوعهِ لِيُعيدَ لِلْوَطَنِ اسمَهُ
حتى ولم يرَ في المنارةِ قومَهُ
وعلى الأقلِّ هناكَ يلقى نومَهُ
د. أسامه مصاروه
أعجبني
تعليق
إرسال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق