الجمعة، 14 فبراير 2025

تحليل نقدي بقلم مشترك للاستاذ الشاعر محمد الوداني والشاعرة غزلان حمدي من تونس

 تحليل نقدي بقلم مشترك للاستاذ الشاعر محمد الوداني والشاعرة غزلان حمدي من تونس

تنبض قصيدة "نجتر أحزاننا" ليوسف بلعابي بمشاعر الحزن العميق والانكسار النفسي، حيث يرسم الشاعر صورة بليغة لمعاناة الإنسان في مجتمع فقد فيه الصدق والعاطفة الصادقة. تعتمد القصيدة على أسلوب البوح الداخلي، حيث يغوص الشاعر في خبايا النفس البشرية التي تكدس الآلام وتخفيها خشية الشماتة أو الجرح من قِبل الآخرين.
منذ البداية، يوظف الشاعر فعل "نجتر"، الذي يرتبط عادة بالحيوانات التي تعيد مضغ طعامها، ليمنح الألم بُعدًا وجوديًا متجدّدًا، وكأنه شيء لا يزول، بل يستمر في الدوران داخل النفس. تكرار الأفعال ذات الطابع الحسي القاسي، مثل "نلوك، نعيدها، ندسها"، يعكس الإصرار على كتم الأحزان وتجرّعها في صمت.
ينتقل النص من وصف داخلي للألم إلى تفسير أسباب كتمانه، حيث يشير إلى فقدان الأشخاص الذين كانوا مصدر العزاء والدعم، واستبدالهم بمجتمع منافق لا يتعاطف، بل يشمت في الضعف. في هذا المشهد، يتجلى التحول العاطفي الحاد، إذ ينقسم العالم إلى فئتين: أوفياء رحلوا وتركوا فراغًا لا يعوّض، وأشخاص حولنا، لكنهم منافقون ومتشفّون. هذا التقسيم يعكس اغتراب الإنسان في مجتمعه، حيث يبدو وحيدًا رغم وجود الآخرين، ويجد نفسه في عالم يفتقد الصدق والمواساة الحقيقية.
تعتمد القصيدة على لغة بسيطة ولكنها مشحونة بالعاطفة، مما يجعلها قريبة إلى القارئ ومؤثرة في النفس. يتجلى التكرار في العديد من الأفعال والصور، مثل "تطحي أفئدتنا، تخنق صدورنا، تسد الأنفاس"، مما يخلق إيقاعًا داخليًا يوحي بتراكم الألم واختناقه داخل الجسد. كما أن الصورة المتكررة "نزرع دروبنا ياسمين" تمثل نقيضًا للحزن والكآبة، مما يضيف بعدًا بصريًا يرمز إلى الأمل الذي كان موجودًا لكنه اختفى. هذه المفارقة تبرز الحنين إلى الماضي وتُعمّق الشعور بالفقدان.
النهاية تأتي كخاتمة حاسمة تعكس مرارة الواقع، حيث يُعلن الشاعر أن من تبقى حوله ليسوا سوى "منافقين"، وهو وصف مباشر يُبعد أي التباس عن موقفه ويؤكد اليأس المطلق من إمكانية إيجاد الحنان الحقيقي مرة أخرى. يوسف بلعابي في قصيدته "نجتر أحزاننا" يُقدّم تجربة إنسانية بصدق جارح، حيث يتماهى الحزن مع الوجود، ويصبح الكتمان وسيلة للبقاء في عالم قاسٍ لا يرحم المشاعر الصادقة. إنها قصيدة تنبض بالوجع، ولكنها أيضًا صرخة في وجه الخداع الاجتماعي، تفضح زيف التظاهر بالاهتمام، وتُخلّد لحظة من التأمل العميق في معنى الفقدان والخذلان.
مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والتوثيق والقراءة النقدية التحليلية الثقافية العربية
********
**نجتر أحزاننا**
نجتر أحزاننا
ونلوك أوجاعنا
ونعيدها بداخلنا
ندسها في أحشائنا
رغم أنها تطحي أفئدتنا
تخنق صدورنا
تسد الأنفاس
لا زفير ولا تنهيد
كل الأوجاع تبقى
حابسة بين الضلوع
لا نطلق سراحها
كي لا يعلم بحالنا أحد
كي لا يتشفى فينا أحد
فالذين كانوا يرأفوا لحالنا
يبكوا لأحزاننا
تأتيهم الحمية
يمسحوا دموعنا
يعيدوا البسمة والضحكة الحلوة لأفواهنا
ينقوا الشوك من قلوبنا
ويصنعوا لنا الفرحة من جديد
ويزرعوا دروبنا ياسمين
فهم رحلوا من سنين
افتقدناهم ولم نجد صدرا حنين
أما الذين حولنا علمنا بأنهم من المنافقين
إذا علموا بأحوالنا وهمومنا
فهم أول المتشفين
بقلمي يوسف بلعابي تونس
أعجبني
تعليق
نسخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  فوازير رمضان (١٠) لعام 25 ( رمضان يجمعنا ) شخصيات مؤثره فينا شوفناها أو ماشافتها عنينا لكنها طيور طاايره حوالينا (قولي مين شخصية اليوم) (م...