بسم الله الرحمن الرحيم
" وَلِیُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟... وَیَمۡحَقَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ "
هذه آية آل عمران 141 التي تطرح تساؤلا لما لم ينتصر المسلمون رغم عذاباتهم وتشردهم وسحق بيوتهم وممتلكاتهم وأنفسهم وأولادهم حتى شمت بهم الصديق قبل العدو اللدود...
بداية إرادة الله ليست خاضعة للعلم البشري فلا أحد يدرك مآلها فقد ورد في سورة الكهف وقائع خرق السفينة ومقتل الصبي وبناء الجدار وراءها حِكَم لم تتضح لنا إلا بعد إيضاحها فالعقل له سقف محدود ومجال غير ممدود ....
لفت نظري في الآية الكريمة كلمتان "يمحص ويمحق" فرقت بينهما الصاد والقاف وأختلف عندها معناهما فكل كلمة تخص فريق دون الآخر :-
فالمؤمنون خصهم الله بالتمحيص برعايته ومعنى التمحيص :- التزكية والتنقية والتربية إلى ما هو أفضل وأرقى ثم الاصطفاء وإعداد شخصية مميزة ونوعية ممتازة وعلى هذا يكون المؤمن صفاته ومميزاته الحميدة ،
أما مجموعة الكافرين خصهم بالمحق والإهلاك والمحو والإزالة بحيث لا يبقى منهم أحد إلا آثارهم تدل على عذابهم وهلاكهم "فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"52 النمل
مثال على تنقية الأشياء المحسوسة من الشوائب فالذهب معدن ثمين ليس من السهل استخلاصه إلا بصهره بالنار لطرد الشوائب منه ثم صياغته سبائك ذهبية خالصة براقة توافق الأذواق بأغلى الأسعار وهكذا الشخصية يتم تربيتها وتزكيتها وتميزها لتصبح كالعملة النادرة...
قد تكون ملامح الصورة بدأت تتضح للقارئ الكريم نحن أمة قد زادت عن مليار ونصف المليار إنسان إذن هذا الكم الهائل جدا، يحتاج إعادة تنقية وتزكية واختيار نوعية ذات جودة عالية وذلك من خلال الفرز والغربلة والتأهيل والتكرير والتصويب، ولا تصلح أمة بدون إعادة هيكلتها لتتماشى مع التطور والتجديد وترميم بناءها وفق منهج رباني يعيد ضبط حياتها، بعد ضياع وتيه بين مناهج شتى جربت وفشلت كلها فهي لا تمت لحياتنا الإسلامية التي نشأنا عليه وفق فطرتنا
والشَّيْءُ بِالشَّيْءِ يُذْكَرُ:- فهذه الآية حملت إشارة أن الخروج عن المنهج الرباني جزاءه الإهلاك والإهلاك لا يكون إلا بقوة هي أقوى من قوتك تزيل المجتمعات الضآلة وتمحوها عن وجه الأرض بسبب الآثام والذنوب وعدم التوبة والإنابة ووقف طغيان الحروب...
قال الله تعالى :- "فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"40 العنكبوت،
إذن التمحيص مثل الغربلة يأتي على فترات لإعادة التدوير للأفضل والأحسن والأجود وقذف البقية الباقية التي لا يستفاد منها والتي هي عالة على الدنيا بالفساد والظلم والاستبداد والخراب والأذية فيتم الخلاص منها بضربها مع بعضها البعض وجمعها وخلطها كنفايات بشرية مؤذية مستهلكة بالمحق والإهلاك والخلاص منها بأي طريقة كانت حاصبا أو صيحة أو خسفا أو إغراقا دون أسف عليها هكذا تنتهي بعض الأمم كالرمم ... "
"وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ..." 45 الكهف
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن