الثلاثاء، 2 أبريل 2024

 ( إلى زوجة خالتي/ ربيع دهام)

إلى لواء، زوجة خالتي،
أتصدّقينني يا زوجة خالتي إذا ما قلتُ لكِ أننّي لا أعرف كيف أبدأ
رسالتي هذه؟
نعم وقيمُ الحق. والله يقتلني إذا ما كذبت بحرفٍ أو شدِّة، أو ... علامة استفهام.
وها هي يداي، تهتزُّ فوق لوحة المفاتيح.
وتلك أصابعي، تتقيّأ حروفَها على الشاشة من دون ترتيبٍ أو تنظيم.
فيضطجع حرفُ الميم على سرير الرقم 5،
وتنصب الفاصلة خيمتها قرب السُّكون.
وتصطفُّ علامة الزائد جنباً إلى جنب مع الكسرة،
والضمة، والفاصلة والمنقوطة... والنقطة الفاصلة.
كلُّها حروفٌ وجُملٌ مبعثرةٌ طائشة، لا يُفهم منها شيء،
مثل كل شيءٍ في هذا الزمان.
إيه نعم. نعم يا زوجة خالتي.
وماذا بعد؟
أعرف. ستسألينني لماذا ترتجف يداك وتهتزُّ.
لكن لا. لا يا زوجة خالتي. ركِّزي معي وانتبهي قليلاً.
التي يهتزُّ ويرتجف ليس أنا بالتحديد، بل الدنيا. الدنيا يا زوجة خالتي.
فماذا عساي أكتب لكِ؟
البارحة أصدر مخلوقٌ من جنس النساء. مخلوقٌ يقول عن نفسه "مطربة". أصدرت ألبوماً غنائياً ادّعت أنّه سيُكسِّرُ الدنيا.
وفعلاً، ها هي الدنيا تتكسّر على وقع زعيقِها ونعيقها،
وكلمات أغنيتها التي، لو سمعها شاعرٌ حقيقيٌّ، لعلّق
نفسه شنقاً وسط ساحة المرج أو الشهداء، يا زوجة خالتي.
ومنذ يومين. أقصد منذ يوم ويومين وثلاثة أيّامٍ وربعٍ، أو أكثر أو أقصر،
قليلاً أو كثيراً، صرَّح أحد "فناني الغفلة" لدينا، بأنَّ في جعبته –
ولم يحدِّد أذا ما كانت جعبة القميص أو البنطال، أو الفستان، أو الكفن – أغنيةً ضاربة سوف يطلقها قريباً في الأسواق.
ولسوء الحظ يا زوجة خالتي، قد وفى "فنّان الغفلة" بوعده،
وأطلقها. فعلاً أطلقها. ويا ليته ما أطلقها.
وها هي الأغنيّة الضاربة، تصطدم بخزّان بنايتنا وتصعقه.
فيُصاب المسكين بالانفجار الدماغي، وينسكبُ من مآقيه،
على وقع الصدمة، وعلى سطحِ مسامعنا، ليتراتٌ من الدموع.
تخيّلي. تخيّلي يا زوجة خالتي. حتى الخزّان قد أبكته تلك الأغنية "الحزاينيّة"
المفجِعة.
شيء عظيم. عظيم جداً يا زوجة خالتي!
سأضطر أن أتوقّف هنا الآن نظراً لانقطاع التيّار الكهربائي.
أتعرفين يا زوجة خالتي؟ أفضل شيء. أفضل شيء هو انقطاع التيّار
الكهربائي.
لحظة لحظة: سِلفَتي ميشو- الهرّة التي أملك – هي إلى جانبي الآن،
وتسألني باستغرابٍ شديد:
"كيف؟ كيف تكتب زوجة خالتك؟ أخالتك الأنثى لديها زوجة أنثى؟
وها أنا أربت على رأس ميشو وأنهرها لغبائها. وأصرخ بها غاضباً:
" ألا تعرفين ... ألا تدرين يا ميشو في أيِّ زمنٍ نحن نعيش؟".
شكراً لأصغائك يا زوجة خالتي. وإلى اللقاء في رسالة أخرى.
قريبُك المُحِب والمشتاق إلى الأبد، نوال.
أعجبني
تعليق
إرسال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكوى الطبيعة

  شكوى الطبيعة همست ْ بأذن ِالليل ِ أغصان ُالشجر ْ تشكو حنين َ الروض ِ شوقَـَه ُ للقمر ْ والورد بثَّ غرامه ُ متــلهـِّـفا للنور ِ يغمر ُه ُ ...