* دفاترُ النَّار..
أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.
عن مقعدٍ لسوادِ غيابي
وأغيبُ عن موتي أزماناً
وأنا مندسٌّ بينَ شرايينِ
قصيدتي الأرملةِ
بعدَ انفصالي عن لغتي
لغتي يُحكيها الصَّمتُ
وما تصادفُ من صدى السّكوتِ
أكلِّمُ صقيعَ الأصابعِ
أحرضُ ما يسكنُها من أبجديّةٍ
فتشهقُ في يباسِها
سراديبُ الرّمادِ
كان لأحرفي وهجُ الضّحكةِ
وفضاءٌ من عسلِ السّحرِ
ومطرٌ من نشوةِ التَّفتّحِ
وكان لقصيدتي ما شاءت
مِن عطرِ المدى
حيثُ الأفقُ يلتفُّ على خصرِها
كساعدِ عاشقٍ يطوِّقُ وردتَهُ
لم تكن ذاكرتي وقتَها
فقدت أغصانَها
ولم تكن جذوري
اختطفت من صلصالِ الشّمسِ
أصادقُ وحشتي
حينَ وحشتي تخرجُ عن غيابِها
أصافحُ أحرفَ صمتِها بضراوةٍ
أستأنسُ بشهيقِها
أتغطّى بلحافِ السّكونِ
وأتغلغلُ في عشبِ دمعِها الدٌامي
أنا العاثرُ على تبعثري
في أرجاءِ القيظِ
الشَّاربُ من أكفِّ السّرابِ
والحالمُ بمَن يسألُ عنّي
ويناديني
ولو مِن خلفِ السَّديمِ
أمدُّ يدي
لأيّةِ نجمةٍ يخطرُ لها أن تصافحَني
أفتحُ نافذتي
لأيِّ بصيصِ ضوءٍ
وأشرعُ أنفاسي
لأيّةِ نسمةٍ تقتربُ
أكلت لحاءَ آهتي
جدرانُ الغربةِ الصّمّاءُ
شربتْني صحارى الجَحِيم
وما زالَ قلبي يرهفُ الانتظارَ
ويصيخُ النّبضَ للمدى المشنوقِ
يتلمَّسُ جسدَ الدُخانِ
ويقبضُ على فلولِ السّحابِ
موتٌ أطبقَ على أسطري الخاويةِ
وجعٌ يتضخّمُ في الذّاكرةِ
وقبرٌ لا يتَّسعُ لأشواقي
فمَن يأخذُ عنّي جثتي الصّاهلةِ؟!
مَن يحملَ عنِّي دمعتي الصّاخّبةَ؟!
وبمَن أستجيرُ مِن ناريَ الرّمضاءِ؟!
وأنا أذكرُ بأنِّيَ
كنتُ محاطاً بقدرٍ وفيرٍ
من الأحبّةِ والأصدقاء
قبل أن تنشبَ معاركُ الإبادةِ
صارَ لزاماً على الشّقيقِ
أن يجزَّ عنقَ توأمِهِ
وعلى الصّديقِ أن يفجِّرَ
صدغَ مَن كانَ ينادمُهُ
وعلى الجَارِ أن ينسفَ
منزلَ مَن كانَ يجاورُهُ
حربٌ ضروسٌ شبَّت في البلادِ
تشعَّبت، توسَّعت، وامتدَّت
واستطالت، وخيّمت
على زرقةِ السّماءِ
وملحِ البحرِ
وشتائلِ الأرضِ
والقاتلُ والقتيلُ هما يدركان
أنّهما في هذهِ الحربِ
لا ناقةَ لهما فيها ولا جمل.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق