قصة قصيرة
صنعتُ ذئبا
كانت السّاعة الثامنة مساءً؛ عندما رن هاتفي المحمول، لقد كان المتصل ابني؛ فأجبت على الفور ولكنّني تفاجأت بأحدهم يقول: هل أنت والد الشاب خالد؟!
المتصل: لقد وجدنا هاتف ابنك في محفظته؛ وتفحصنا الأسماء الموجودة، فعثرنا على رقمك، فهل تأتي إلى المستشفى لأنّ ابنك تعرض لحادث سير! وعلى إثره فارق الحياة للأسف.
ارتعدت فرائصي وقتها! وسقطَّ الهاتف من يدي، لم استطع تصديق الأمر؟ وكنتُ أردد لربما اشتبهوا بشاب آخر؛ فكنتُ أقود السيارة على السرعة العالية حتى إنّني كدت أتسبب بحادث، وعندما وصلت المستشفى كان الواقع مؤلمًا.
وجدت ابني جثةً هامدةً، عندها خارت قواي واصطدم رأسي على جدار الغرفة، وأنا أنظر إليه لدرجة أنّني لم أقوى على لمسة، فظللت متسمّراً في مكاني، وعلمت لاحقا أن سبب الحادث تعاطيه للممنوعات... هذا ما أثبتته الفحوصات وليس هذا فحسب، بل أيضا وجدوا بحوزته كمية إضافية.
عندها قررت الشرطة التحقيق في الأمر، وكنت قد وضحت لهم أن ابني ليس من هذا النوع، وأنّه ربما تورط بشكل غير مباشر دون أن يعلم، حينها وبعد عدة تحقيقات استطاعت الشرطة التوصل للمورد الحقيقي.
كان قد اعترف بأن رفقاء خالد قد عرفوه به؛ ولأنّ لديه مهارة الإقناع استطاع أن يجعله يجربها وكانت مرته الأولى؛ ولأنّه غير معتاد اختل توازنه أثناء قيادته للسيارة التي اشتريتها له كمكافأة لنجاحه فحصل الحادث.
عندما علمت بالأمر اشتعل بداخلي بركان! وكان همي الوحيد هو السعي لأنّ يحصل الجاني أقصى عقوبة؛ ولكن قبل ذلك قررت زيارته، فتوجهت إلى مركز الشرطة لمقابلة المجرم الذي تسبب بسلب أغلى ما أملك.
كان كل شيء بداخلي يحترق إلى أنّ واجهتهُ حينها وعندما التقت عينايَّ به سكنت في مكاني، وحُبست كلمات الوعيد الذي جهزتها وكأنّني أصبت بالبكم وقتئذٍ تبسم السجين ساخرًا ونطق بعبارات، وعلى إثرها غادرت مباشرة دون ردة أي فعل.
فقد كانت المرة الأولى التي التقي به وأنا بعمر الثامنة... أتذكر جيدًا تلك التعابير المخيفة المرسومة على وجهه، وكيف نجح بزرع الخوف بداخلي من أول وهلة؛ وقتها حاولت اخفاء تلك المشاعر! ولكن لم يستمر الأمر طويلا؛ لأنّ تلك الأحاسيس خرجت عن السيطرة عندما كشر عن أنيابه.
حاولت أن أنجو بنفسي فكنت ألجأُ للهرب من رؤيته؛ لأنّه في كل مرّة يقضم شيء بداخلي حتى ازدادت حدة ألمي، فشكوته إلى والديّ؛ إلا أنّهما لم يعيرا الأمر اهتمامًا، وكانا يرغمانني على مقابلته بحجة أنّني أتدلل ففقدت ملجأي الآمن.
عندئذٍ ضاعت منّي براءتي عندما استسلمت لتعذيبه لي كل يوم؛ فقررتُ الانتقام والثأر لنفسي من كل المعاناة التي كابدتها.
أصبحتُ أستاذًا مثله وصارت لدي أنياب شبيه به، فكنت انقض على فرائسي دون رحمة فأتلذذ بنعتهم بأبشع الألقاب؛ وأقوم باستغلال أخطائهم الصغيرة لجلدهم حتى خلقت بداخلهم أشخاصًا ضعيفي الشخصية.
ولكن لم أتوقع أن يجمعني القدر بأحد طلابي، لقد كان هو نفسه "حسان" التلميذ الذي عاش يتيمًا ومعذبًا في منزل عمه؛ وعوضًا عن مساندته كنت انتقم لنفسي عن طريقه، فأغتنم تقصيرة في الدراسة ونومه المتكرر في الصف بتسميمه فكريًا؛ حتى هرب من المدرسة ومنزله نهائيا دون رجعه.
وقتها كانت كلماته الأخيرة قبل أن أغادر زنزانته بعد أن تعرّف عليَّ: ها قد أصبحتُ مشردًا وبائعًا للممنوعات يا أستاذ كما كنت تقول لي دائما.
سحر مثنى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق