الجمعة، 5 يناير 2024

المعذور في ذمَّة الله تعالى إلىَ أن ينتفي عُذرُه

 المعذور في ذمَّة الله تعالى إلىَ أن ينتفي عُذرُه

أسد الشعر العربي ( جمال الشرقاوي )
يكتب : المعذور في ذمَّة الله تعالى إلىَ أن ينتفي عُذرُه
في الخطاب الديني الجديد و المعاصر
بقلم الكاتب المصري : جمال الشرقاوي \
العلم عند ربي و الله تبارك و تعالى أعلى و أعلم
( تَعَلَّمُوا النصيحة قبل أن تَنْصِحُوا )
( جمال الشرقاوي )
[ إلى كل مَن يتشدَّق بنصوصٍ دينية مقدَّسة على مواقع التواصل الإجتماعي يومياً بشكل مستفز و مُنَفِّر .. أهدي هذا المقال الجريء الصادم .. أضعه كالرصاصة في عيون المعارضين المُتَفَيِهِقِيِن .. المُتَفَاصِحِيِن .. المُتَنَطِّعِيِن .. الجُهَلَاَء .. شاء مَن شاء و أبَىَ مَنْ أبَىَ .. ]
جمال الشرقاوي آل شرقاوي
قال الله سبحانه و تعالى في القرءان الكريم
{‌ قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ وَمَغۡفِرَةٌ خَيۡرٞ مِّن صَدَقَةٖ يَتۡبَعُهَآ أَذٗىۗ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٞ 263 }
[ البقرة \ 263 ]
الشاهد في أية 263 من سورة البقرة
{‌ قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ وَمَغۡفِرَةٌ خَيۡرٞ مِّن صَدَقَةٖ يَتۡبَعُهَآ أَذٗىۗ }
(( قُلْتُ : أنا الباحثُ ))
ــــــــــــــ
القول المعروف .. أي ــ بالحُسْنَىَ للناس .. ثم المغفرة عَمَّن أساء إليك .. هو خير و أحسن و أنفع من الصَدَقَة التي يأتي وراءها المَنْ علىَ مَن تَصَدَّقْنَا عليه ثم فضحناه و جرحناه بأننا ساعدناه و تَصَدَّقْنا عليه فأذيناه .. (( قُلْتُ : أنا الباحثُ )) و النصيحة من الصَدَقَة لأننا حينما ننصح إنسان بدون أن نفضحه نأخذ علىَ نصيحتنا له أجراً و ثواباً من الله عز و جل , تماماً كالصدقة التي لا يأتي بعدها فضيحة للشخص الذي ساعدناه بصدقاتنا .. و لكن لو أننا نصحنا شخصاً ثم فضحناه و عايرناه و جرحناه .. تماماً مثل الشخص الذي تَصَدَّقَ على شخص ثم فضحه و عايره بهذه الصدقة و المساعدة .. فهنا نرتكب الوزر .. { وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٞ } .. أي : ـــ أن الله تعالىَ غنيَّاً عن العباد و لا يحتاج إليهم .. و كذلك يحلُم عليهم بأن يُمْهِلَهُم عسَىَ أن يتوبوا .. فلا يستعجل لهم العذاب
و الله تبارك و تعالىَ أعلىَ و أعلم
و قد وَرَدَ في أحاديث السُـنـَّة النبوية الشريفة
( حديث : الدِّينُ ‌النَّصِيحَةُ )
ــــــــــ
[ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الدِّينَ ‌النَّصِيحَةُ ، إِنَّمَا الدِّينُ ‌النَّصِيحَةُ . قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ]
( صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم )
( المصدر : كتاب : مسند الإمام أحمد بن حنبل ــ باب : حديث : تميم الداري ــ الفصل أو الجزء : 28 ــ الصفحة : 38 )
(( قُلتُ : أنا الباحثُ ))
ـــــــــــــــ
هذا الحديث : بعنوان ( حديث : الدِّينُ ‌النَّصِيحَةُ ) ... صحيح
الشاهد في الحديث الشريف الصحيح
( الدِّينَ ‌النَّصِيحَة ُ )
إِنَّمَا الدِّينُ ‌النَّصِيحَة ُ ] [
(( قُلتُ : أنا الباحثُ ))
ـــــــــــ
و [ النصيحة ] يقولها الإنسان العاقل البالغ .. لإنسان عاقل بالغ .. و هىَ من جُماع الدين الإسلامي و عقيدته و أصوله و شريعته الإسلامية بفروعها .. و [ النصيحة ] إمَّا أن تكون بخير و إمَّا أن تكون بشر .. و الخير يأتي من الله تعالى و ملائكته و المؤمنين .. و الشر يأتي من الشيطان الرجيم و ذريَّته و أتباعه الأشقياء من الإنس .. و ما يُعْنينا هنا [ النصيحة ] التي أرادها رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم ــ بلا مُبتدأ و لا منتهىَ ــ
[ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ]
و هىَ بلا شك تأتي بالخير كل الخير في الدنيا و الأخرة
[ شروط النصيحة ]
ــــــــــ
1ــ لِلَّهِ ( تعالىَ )
لأنه عز و جل له الأمر كله .. يعطي الأجر و الثواب أو يعطي العقاب و الجزاء
2 ــ لِكِتَابِهِ .. و المقصود به هنا ( القرءان الكريم )
و أزيدُ فأقولُ ... و لكل كتاب سماوي نزل من عند الله سبحانه و تعالىَ .. لإن كل الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على الرُسُل .. لا يوجد بها إلَّا كل طيِّبَاً من القول و الفعل و رسم المنهج القويم لحياة المخلوقات جميعاً
3 ــ لِرَسُولِهِ .. سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه و سلم ــ بلا مبتدأ و لا منتهىَ ــ
4 ــ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ
و أزيدُ .. فأقولُ .. بل لكل العالم و الدنيا .. فالنصيحة واجبة من الكل للكل .. المسلم و غير المسلم .. لإن كل الإنسان علىَ الإنسان حرام .. دمه و ماله و عرضه .. يتساوىَ في الحُرْمَة سواء المسلم أو النصراني أو اليهودي بل و الكافر و المشرك و الملحد و الزنديق و المرتد و أهل المناهج و المذاهب الهدَّامة .. دماءهم و أعراضهم و أموالهم حرام علينا طالما لم يهاجمونا بالقوة و العنف و لم يرفعوا سلاحهم في وجوهنا .. و كذلك دماءنا نحن المسلمون و أعراضنا و أموالنا حرام عليهم طالما لم نحاربهم و طالما لم نرفع السلاح في وجوههم .. و هذا أصل من حقوق الإنسان يقرره الدين الإسلامي عقيدة و شريعة قبل أن تتشدق الصهيوماسونية العالمية ( بحقوق الإنسان المُزَيَّفَة ) بقرون عديدة .. و مَن يخالف ذلك فعليه وزر نفسه و أوزار المجتمع المحلِّي و العالمي كلُّه
و الله تبارك و تعالى أعلىَ و أعلم
و أضيف إلى شروط النصيحة كما وَرَدت في الحديث الشريف الصحيح .. حديث ( الدِّينَ ‌النَّصِيحَة ُ )
5 ــ العلم ــ
و خاصة العلم الشرعي كي لا تكون نصيحتك متناقضة مع تعاليم الدين أو مصادمة له .. و هذا أفضل .. و لكن وجود العلم و لو بدرجة بسيطة .. يكفي للرحمة بمَن ننصحه
6 ــ الذكاء ــ
كي لا تجرح الشخص الذي تنصحه .. بأن تكون نصيحتك له سواء بالأمر بشيء ما أو النهي عن شيء ما .. أمام الناس فتفضحه
7 ــ التجربة و الخبرة المكتسبة ــ
و لابد أن يكون الناصح لشخص ما إنسان ( فَطِنْ ) فينصح بالخبرة و التجربة .. لأنه من الطبيعي أن الذي سينصح شخصاً أخر فلا يكون بالضرورة عالماً بالدين أو فقيهاً
8 ــ أن تكون النصيحة واقعية ــ
و من هنا يستطيع الشخص المنصوح أن ينفذها بسهولة و بكل اقتناع
9 ــ أن تكون النصيحة مناسبة لحال الشخص المنصوح ــ
فلا يصح أن نقول لشخص محتاج أو يستجدي الناس في الطرقات ( عيب عليك ) أو ( روح اشتغل ) أو ( م انتَ فيك صحة ) لإننا لا نعلم حاله .. فربما بحث عن عمل و ضاقت في وجهه السُبُلِ ..
10 ــ يجب أن يكون الناصح متواضعاً ــ
بحيث لا يستكبر على المنصوح أو يستعلي عليه .. بحيث يُنكر عليه فعلاً بشدة .. أو يتكلم مع الشخص المنصوح باستعلاء .. و يَحُطَّ من شأنه
11 ــ يجب أن يكون الشخص الناصح رحيماً ــ
فيستر عيوب الشخص المنصوح و كأنه لا يراها .. فلا يصح لِمَن ينصح شخصاً أن يكون ( جِلْفَاً ) أو ( قاسي ) أو ( غليظ القلب ) أو ( سليط اللسان ) فيقتُل في الشخص المنصوح كرامته
12 ــ يجب أن يكون الشخص الناصح خفيض الصوت ــ
فلا يكون الشخص الناصح عالي الصوت بشكل مستفز و هو ينهي الشخص المنصوح عن شيء أو يأمره بشيء
13 ــ يجب أن يكون الشخص الناصح حكيماً ــ
فلا يصح أن يكون الشخص الناصح جاهلاً و لا يعرف كيف يبدأ نصيحته أو متىَ ينتهي و يتوقف عن الكلام
14 ــ لا يجب أن يكون الشخص الناصح لَحُوحَاً ــ
لا يصح أن تكون النصيحة كلمات يومية مُعَادَة و مكررة .. فستصبح كلمات ممسوخة و ليس لها أي تأثير في نفس السامع
15 ــ لابد أن تكون النصيحة قصيرة الموضوع و قليلة الكلمات ــ
لا يجب أن تكون النصيحة لمدة ساعة مثلاً و بكلمات مَمْطُوطَة .. سوف يمل الشخص المنصوح و لن يُرَكِّز في نصيحتك
16 ــ لا يجب أن تكون النصيحة بشكل يومي ــ
لإنها ستؤدي إلى نتائج عكسية بعد أن تفقد حكمتها و رزانتها .. فالنصيحة من دُرَرِ الكلمات .. و الدُرَرْ لن تجدها في الطريق دائماً
17 ــ لا تبذل نصيحتك إلَّا لِمَن يطلبها أو يستحقها ــ
فلا يصح أن يجعل الشخص الناصح نفسه محل استهزاء من الشخص المنصوح .. فربما أنتَ تنصح شخصاً لا يريد أن ستمع للنصيحة أو لا يطلبها ( فاتركه و شأنه .. فليذهب للجحيم )
و الله تبارك و تعالى أعلى و أعلم
كتبت هذه الفكرة .. عندما سمعت أو قرأت في مواقع التواصل الإجتماعي مَن يتشدَّق بِمِلء فمه .. و يقول للناس على سبيل النصيحة ..
( إبتعد عن ما يضُرَّك )
و هذه نصيحة صحيحة من الناحية النظرية و لكن عندما نأتي لتطبيقها في واقع الحياه .. قد تختلف النتائج .. و هذا راجع من وجهة نظري لتشابك علاقات الناس مع بعضهم البعض بشكل مُعَقَّد .. بحيث أنه لو أراد أحداً من الناس أن ينفصل عن مَن يضره و يبتعد عن أخر يتربص به , و أخر يريد منه مصلحة ما , و أخر سيطالبه بشيء ما , و يبتعد عن شخص أخر يخاف من ضرره و شره و .. و.. و ... التي لن تنتهي و لن ينتهي تعددها و أمثلتها .. فهنا سيخسر الإنسان المجتمع كله و سيعيش منعزلاً بشكل قاطع قد يؤدي به للموت أو التوحُّد أو الإنتحار .. فالإنسان كائن اجتماعي بفطرته لابد أن يختلط بالناس من جنس البشر مثله .. حتىَ الشخص المنعزل و ليس له أصدقاء و ربما لا يزوره أحد .. و يحتاج .. ربما لم أكن مبالِغِاً لو قلت أنه يحتاج لكل شيء .. للمال و الصحة و العلاج و المرأة .. لو وجد من يأخذ بيده لعالم المجتمع سيجري و يهرول .. للخروج من سجن العزلة و الموت البطيء .. فليس من غير المعقول أن نأتي لشخص يحتاج علاقة عاطفية .. و هو محروماً عاطفياً .. ثم نقول له لا تنخرط في علاقة عاطفية لأنها سامَّة .. فهذا هُراء و غير واقعي .. و لا يصح أن نأتي لشخص يحتاج للجنس .. و ربما هو يعاني من الحرمان الجنسي بل هو جوعان و ظمأنَاً جنسياً .. بل يقع تحت خط الفقر الجنسي مثلاً .. و نقول له إذا واتته الفرصة إبتعد عن هذه العلاقة لأنها تغضب الله تعالى .. خاصة و أن الطب أثبت أن للقُبْلَة و الحُضن و ممارسة العلاقة الجنسية أنها مفيدة جداً للإنسان و لحياته النفسية .. و لا يتشدق أحداً من القرَّاء بمسألة الحلال و الحرام في مثل هذه الحالات .. فالله تعالى الذي خلق الإنسان هو أعلم باحتياجه .. و أعلم بعُذره .. فإن شاء عفا و إن شاء عاقب .. لله تبارك و تعالىَ الأمر كله
(( نحن لا نشجع على رزيلة .. و كذلك لا يصح أن نقول للإنسان ذات الإحتياج عش راهباً ... فالحيوان الغير مُكَلَّف يقعل ما يريد وقتما يريد .. فالحيوان إذا ما أراد أن ــ يقضي حاجته ــ يقضي حاجته و يفعلها بكل أريحيَّة .. و عندما يحتاج لممارسة الجنس يمارس الجنس بشكل طبيعي جداً .. و القطة تخطف الطعام عندما تريده و تهرب .. فما بالكَ أيها القاريء الكريم .. بالإنسان و هو مخلوق مُكَلَّف و عاقل و يستشعر بحلاوة و لذة الشيء الذي يفتقده , و كلما مَرَّت عليه الأيام و هو مُفْتَقِد لشيءٍ حيوي مثل الجنس أو مثل المال أو مثل الملابس الفخمة العصرية ( على الموضة ) و غيرها من احتياجاته .. ماذا سيفعل إذا واتته الفرصة ؟! .. بالقطع سوف يقتنصها و لو غصباً عنه .. و لو من وراء قلبه .. هذه لغة الواقع مع الإحتياج الذي لا يرحم و الحرمان من أشياء لسنوات طويلة .. فالصبر ينفذ و العقل يفكر في احتياجاته باستمرار و القلب يهفو شوقاً لإشباع رغبته .. و المجتمع حائل و هناك من ضمن منظومة المجتمع الذي يَحُولُ بين الإنسان و رغباته هؤلاء الجُهلاء الذين يقتلون في الإنسان شهوته و فطرته و حياته .. فيحوِّلونه لمسخ بشريِّ مُعَقَّد .. كاره لنفسه و للحياه .. هؤلاء الذين يتشدقون باسم النصيحة و باسم الدين و باسم الله تعالى و باسم الرسول محمد صلى الله عليه و سلم .. في وجه المحتاج بالنصائح اليومية و الإرشادات الإلهية و النصوص الدينية حتىَ يقتلوا في الإنسان روحه و إقباله على الحياه !!! ما هذه البلاهة من الجُهَلاء على مواقع التواصل الإجتماعي .. فالأمر إلى الله تعالى إن شاء عاقب و إن شاء عفا ))
و الله تبارك و تعالى أعلى و أعلم
و بكل جرأة أصرخ بها في وجه جهلاء فيس بوك و مواقع التوصل ... هذه قضية أنتم تهربون منها .. و لا تستطيعون حَلَّهَا حتىَ و لو اجتهدتم فأخطأتم .. و ليس لديكم الجرأة و القوة و الشجاعة الأدبية أن تتكلمون فيها على حقيقتها العارية ... بل ليس لديكم العلم الذي تتكلمون به لتخوضوا في مثل هذه المسألة الشائكة .. فتهربون منها بأن تسكبوا على نيران الشخص المحتاج بنزيناً .. فتقولون له ( هذا حرام ) و ( هذا حىلال ) و هو الطريق الأسهل للأعمىَ فكرياً و الأعرج ثقافياً و الكسيح علمياً و الجبان واقعياً .. و المعتوه الذي لا يفهم طبيعة الإنسان و وقت احتياجه .. و ما يحدث له من إرهاق و تعب و مرض نفسي و عصبي و عدم تعايشه مع المجتمع بشكل تام و كامل و سليم ... لإن
( المعذور في ذمة الله تعالى إلى أن ينتفي عذره )
و لذلك عندما يثرثر ( مجانين فيس بوك و مواقع التواصل الإجتماعي ) بنصائحهم بشكل مقزز يضر أكثر كِمَّا ينفع .. فلن يسمع الشخص المحتاج لنصائح لا تسمن و لا تغني من جوع طالما هو محتاج .. لإن الشخص في حال الإحتياج مثل الطفل الرضيع في حجر أمه .. يحتاج لحنانها و دفئها و ثديها .. فإذا ما زال سبب الإحتياج قكأنما الشخص أصبح في مرحلة الفِطام .. صار مُكَلَّفَاً .. هنا ربما تأتي النصيحة ثمرتها و أكُلَهَا في نفسه و قلبه و تصادف من ضميره موضعاً تسكن فيه فيعمل بها و يستلذ بها و يستأنس بها .. فتعلَّم كيف تَنْصِح قبل أن تَنْصِح حتى لا تضر غيرك في إحساسه و مشاعره .. فربما الشخص إذا أخطأ مَرَّة نتيجة احتياجه .. يتوب .. و لكن إذا منعناه من شيءٍ هو محتاجه و لم نساعده من باب أخر مُرْضِي .. سيصاب بالإكتئاب و ربما ينتحر و غالباً سيتحول لشخص منحرف بشكل قاسي .. لإن المجتمع مَنَعَهُ و حَجَرَ عليه في احتياجه لشيء ما و في نفس الوقت لم يقدم له يد العون للبدائل الأنفع و الأصلح للتعَفُّفِ .. تلك البدائل التي ترضي الله تعالى ثم ترضي رسوله صلى الله عليه و سلم ...
( بغير مَدّ يد العَون لن تُجْدي النصيحة مع المحتاج شيئاً )
قُلت هذا لإن الكثير ينصح و يجري ليختبأ خلف جدران الحياه .. و نحن نقرأ و نشعر بالذنب من أنفسنا و نخجل و نكبت احتياجنا نتيجة قراءة هذه النصائح و في نهاية المطاف أصبحنا مرضىَ نفسيين و عصبيين بسبب مَن و نطيع الله تعالى في العلن و نعصاه في السر .. و سوف يأتي يوماً نعصاه في السر و العلن معاً بلا خجل و لا رهبة .. بسبب جنون الإحتياج و سُعَارِهِ .. و بسبب مهم جداً و هو مَن يعتقد أنه مصلح و هومُفْسِد
( ينْصِح و هو يضر )
( مَن يفسد فينا الفطرة و هو يعتقد أنه يصلح )
و طالما كتبت مراراً وتكراراً و قلت
( برجاءٍ لا تتبَوَّلُوا علينا بمنشورات يومية ترهقنا )
و الناس لم تسمع .. و القرَّاء كانوا كالسوائم .. كل ما أهَمَّهُم في كلامنا .. لفظة ( تَتَبَوَّلُوا ) و ظلُّوا ينتقدون هذه اللفظة كالببغاوات و تركوا جوهر الموضوع .. و هم قصار النظر و الفهم و الثقافة و المعرفة و التربية و ضعاف النفوس .. وقفوا عند هذه الكلمة و جادلوا بغير علم و بغير فطنة ( و سَنُّوا سكاكينهم ) و لم ينتبهوا لأهمية ما كتبته .. لم ينظروا للموضوع بعمق .. لم يتدبروا ما بين السطور .. و لكن هذه هىَ النتيجة .. كثرة كتابة الأيات القرءانية و الأحاديث النبوية و النصائح التي أخذها الجُهَّال لُعبة و هواية و إذا صح اللفظ يمكننا أن نقول
( لعبة الدِّيِن ) .. أو
( هواية الدِّين )
يتسَلُّون بها على الفيس بوك و تويتر و مواقع التواصل الإجتماعي بشكل مقزز .. تؤدي في نهاية المطاف للإنحراف السلوكي و تغييب العقل الفردي و الجمعي على السواء .. و الشرخ الأخلاقي في نفس القاريء ..
فجاهلُ .. كل يوم يكتب و يقول لكم قال الله تعالى : ( حرام )
و جاهل أخر يكتب و يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( لا يحل لكم )
حتىَ أصبح الحلال و الحرام مُضْغَة في أفواه الناس و لا سِيَّمَا الجُهَّال على مواقع التواصل الإجتماعي .. بل و صار أمرهما هَيِّنَاً .. و صار أمر الناس بين اثنين ( الأول ) ما بين منحرف لأنه محتاج لأشياء لابد منها في حياته و لن يستقيم حاله إلَّا إذا حصل على احتياجه من حرام أو حلال .. لا محالة فأمر المحتاج واقع و منحصرُ بين اثنتين .. ( الحلال ) أو ( الحرام ) فإذا لم يحصل على حاجته من الحلال سيحصل عليها من ( الحرام ) لا محالة .. و لن يسمع و يقرأ و لن يفهم نصائح ( التواصل الإجتماعي ) ... و الأمر ( الثاني ) ما بين إرهابي يمارس الإرهاب الفكري و لا يعرف ما معنى احتياج النفوس التي ضَعُفَت أمام احتياجها للأسف .. فربما يكون الناصح مُحَصَّن من فتنة النساء بأن يكون متزوجاً و ينصح بالإبتعاد عن الحب و العاطفة و الجنس .. و ربما يكون الناصح مُحَصَّن بأن يكون غنيَّاً .. و يقول لا تسرق و لا تمد يدك و لا تستجدي الناس .. و هكذا فَمَن من المحتاجين للجنس أو للمال سيسمع كلامهم ؟! من هنا جاءت نصائح الجُهَّال .. مِن هنا جاءت الفتنة لإن هؤلاء ينصحون و لا يساعدون .. يتكلمون و يمزقون المحتاج إرباً و يهربون .. و هنا ننعطف في مقالنا لحالة ..
( المُنْعَزِلُ المُحْتَاجُ )
فمن الممكن أن يكون الإنسان لا يملك أي علاقات اجتماعية و هو منعزل من مدة طويلة .. فليس من المعقول أن يظل عمره كله منعزلاً عن الناس بدون أن يُلَبِّي احتياجات نفسه التي تُلِحُّ عليه دائماً و أبداً .. هنا .. لابد من من علاقة .. أيِّ علاقة .. لا يهم ما هو نوع و حجم و كَمّ و كيفية هذه العلاقة .. المهم هو الحصول علىَ هذه العلاقة و الحفاظ على شكلها أيَّاً ما كان شكل هذه العلاقة .. المهم هو الحصول علىَ هذه العلاقة الحيوية التي يحتاجها قلبه و جسده و عقله بلا مكابرة لكي يستطيع مواصلة الحياه .. و ( طبيعي .. طبيعي جداً ) .. لا يوجد علاقة تصل في درجة امتيازها إلىَ 100% .. لابد أن أي علاقة يشوبها شوائب و لو بنسبة من 1 ... إلى 10% .. و أعتقد أن هذه علاقة ناجحة بأي حال من الأحوال و في أي ظرف من الظروف .. النساء في أغلب العلاقات مع الرجال .. دائماً وضعهن أقوي .. فالمرأة الناعمة الأنثىَ .. الجميلة .. النارية .. ذات الجسم المغري .. تجلس مكانها كالنحلة الملكة .. و الرجال هم الفَرَاش الذي يحوم حول هذه النار يريد الإقتحام .. و الرجل ربما يكون من الناحية الحيوية محتاج لهذه العلاقة .. فهو الذي لابد أن يسعىَ لهذه العلاقة .. لابد أن يحاول .. فهذا الإطار لا يعتبر علاقة سامَّة .. بل هو وضعاً طبيعيَّاً جداً .. لإن المرأة بطبيعتها الخجولة .. لن تذهب للرجل .. ثم تترجاه أن يعشقها .. أو تعرض عليه حبها .. أو تعرض عليه علاقة حميميَّة و لكن هذا هو دور الرجل و ليس دور الأنثىَ .. هذا هو واقع الحياه .. لن يتغير هذا الواقع أو يتبدَّل مهما فعل الناس .. حتىَ لو انكسرت هذه القاعدة في أحيان نادرة .. فهذا التبديل و التغيير للقاعدة في مثل هذه الحالات النادرة ما هو إلَّا .. أحيان نادرة .. و الخلاصة .. فلا بأس من النصيحة و لكن بمقدار حتىَ يستوعبها الأخرين بسهولة .. مع مراعاة أن هناك كثيرون لا يستطيعون العمل بالنصيحة نظراً لاحتياجهم لما هو عكسها فلا ترهقوهم كل يوم و كل دقيقة بمنشور يؤدي بهم للمرض النفسي و زيادة الضغط العصبي عليهم .. لا بأس من النصيحة ... و لكن ( تعلَّم أن تنصح قبل أن تنصح )
.. لإن ( المعذور في ذمة الله تعالى حتىَ ينتفي عُذره )
فالنصوص الدينية ليس لعبة للتسلية و ليست هواية يمارسها كل جاهل و كل عاطل و كل مخبول على مواقع التواصل .. و تعلموا من الرسول صلى الله عليه و سلم .. القدوة .. كان لا ينصح و لا يوعظ كل يوم مثل مفتونين مواقع التواصل الإجتماعي الجُهَلاء
[ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، سَمِعَ أَبَا وَائِلٍ ، يَقُولُ : قَالَ عَبْدُ اللهِ : إِنِّي لَأُخْبَرُ بِجَمَاعَتِكُمْ ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ إِلَّا خَشْيَةُ أَنْ أُمِلَّكُمْ ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ‌كَانَ ‌يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ ، خَشْيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا ]
( قُلتُ : أنا الباحثُ )
( هذا الحديث صحيح )
( المصدر : كتاب : مُسْنَد الطيالسي ــ المؤلف : أبو داود الطيالسي ــ باب : ما أسند عبد الله بن مسعود رضيَ الله عنه ــ الجزء : 1 ــ الصفحة : 206 )
الشاهد في الحديث
[ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ‌كَانَ ‌يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ ، خَشْيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا ]
أي : ــ كان لا يوعظهم كثيراً حتىَ لا يَمَلُّون كثرة التكرار و كثرة سماع أيات العذاب و غضب الله تعالى ... فيزهدوا في الإسلام و يخرجوا منه .. و لكن حينما تكون بين الموعظة و الأخرىَ بُرهة من الوقت .. يتعطَّشُ السامع للموعظة و يحب سماعها و تنفيذ ما فيها .. و هذا هو الغرض الأهم من المواعظ
القاهرة \ ديسمبر \ الأحد 24 \ 12 \ 2023م \ الساعة 10 صباحاً ــ أسد الشعر العربي ( جمال الشرقاوي ) كاتب و شاعر و باحث
قد تكون صورة ‏‏‏‏٤‏ أشخاص‏، و‏‏معطف طويل‏، و‏جعة‏‏‏ و‏نص‏‏
أعجبني
تعليق
إرسال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

(لا تزال عالقة) بقلم عواطف فاضل الطائي

(لا تزال عالقة) حلقة مفرغة من الخيارت تراوغها بيقينها ان القدر سينظم لهما لقاء وكأن الحياة قد توقفت في تلك اللحظة.. لا تعرف ماذا تفعل هل حقا...