لن أُسامح نفسي . .
قصةٌ قصيرةٌ . . من الواقع
وعد الله حديد
في اليوم السابع
من شهر ك 1
أجواءٌ يغلُبُ عليها إعتدالٌ مُعدلاتِها يشوبُها بعضُ برودةٍ فيصعب علَيّ الأتيانَ بوصفٍ يليقُ بهذه الأجواءِ المذهلةِ فأرنو إلى الإستمتاع بها خارج أنطقةِ فهمها .
جموعٌ غفيرةٌ من البشر تملأُ الطرقاتُ بين متسوِقٍ وبائِعٍ , ألباعةُ يعلنون بإصرارٍ عن نوعيةِ بضاعتهم وجودتها , كلٌّ له غايته وشأنه , متوكلين
غير متواكلين يدفعهم الأمل بأن الله هو الرزاق الخبير البصير بِأوضاعهم يتضرعون أليهِ كُلٌّ حسب استيعابه للتضرُع أن يَرزقهم اللهُ ويُسهل لهم أمرهم .
ومع إطلالةِ هذا اليوم لم تتمكن الشمسُ أن تُبدي مواصفاتها الخارقة وسط البرودة المتواضعة فأتت باستحياءٍ واهنةً شاحبةً ,
وجدتُ نفسي أتيه ضمن هذا الجمعُ النافِرُ دونما هدفٍ ,
إنّ لي في المحيط الذي اتسكعُ فيه صديقاً قديماً , يتخذ من احد مقاعد المقهى مكاناً يعرض فيه بضاعةً ليستْ هي رائجةً على حد معرفتي , انه يعرض
بضعة (سبحاتٍ ) ومحبسين اثنين فوق مساحةٍ بحجِمِ شاشة حاسوبي , بضاعةٌ شديدة ُ اليُتم ِغارقةٌ في جوٍّ من التواضع والخضوع ولم أجد في جعبتي
وصفاً لبضاعتهِ أكثر دِقةً مما أتيتْ فقد انتابتني نوبةَ ضيقٍ لما رأيتْ .
ألقيتُ عليه تحية الصباح فحياني بمثلها , لم يكن بهيئته التي عهِدتُهُ عليها , لابد أنه يشتكي من أمرٍ ما , لقد سبق وأخبرني يوماً أن امرأته قد توفاها الله
وفي النية أن يبحث له عن امرأة تَسد الفراغ الذي تركته الراحلة ,
وشرَع يسرُدُ عليَّ تفاصيل محنتِهِ باقتضابٍ شديد ,
قالَ :إنني مُتعبٌ وضجِرٌ ألى أبعد حد , المكان الذي أُزاول فيه عملي يُرهقني ويمتهنُ كرامتي , أسلفتُ قبل شهرين شخصاً مبلغاً من المال , توسمتُ
فيه الصدق والأمانة عندما وعدني بِإعادةِ المبلغَ خلال يومين , إختفى الرجلُ وأقفل جواله فاختفى على اثرها مبلغ المال الذي سبق أن أسلفتُهُ إيّاهُ .
إستطرد بعد أن استجمع افكاره واسترد انفاسه ,
قال : سرق أحدهم قبل يومين إثنين من جيبي مبلغا من المال قدره مائةٌ وستون الفاً من الدنانير ,
ماعاد يستطيع ان يُكمل حديثه
همستُ في سِرّي ان لا حول ولا قوة الا بالله , ولكي أتحرر من إحتمالية سماع أشياءَ مؤذيةٍ أُخرى قفزتْ إلى ذهني فكرةَ أن أجعلَه يُغير الموضوع ,
لم يُبادر هو فيغير الموضوع وليس في جعبته ماهو مُنعشٌ كي يطرحه بل بادرته بالسؤال
هل وُفِقتَ بايجاد امرأةٍ للزواج ,
قال وهو بأشد حالاته من الجزع والخنوع منذ سنواتٍ عشرٍ وأنا جادٌّ بالبحث عن امرأةٍ للزواج ولكنني لم أُوفق ,
يا لحظك التعس ياصديقي العزيز , قلتها في سرّي خَشية ان تلتقطها أُذُناهُ فيزداد كآبةً ومقتاً لنفسه ,
ودون أن أُوجه إليهِ سؤالاً بادرني بالقول
كانت زوجتي تُهيئُ التنورَ وتسجُرُهُ وتحضره للخبز , أمسكتْ بِآنيةٍ بلاستيكيةٍ وقذفت مابداخلها إلى فُوَهَة التنور فانفجرت على أثرها الآنيةُ وانفجر التنور
هو الآخر مثل قنبلةٍ موقوتةٍ ,
ودمِعَتَ عيناهُ فمرَرَ يده اليمنى يُداري فيها دموعاً سخيةً توشك أن تنحدر فوق وجنتيه , إحترقتْ رجلا زوجتي حروقاً من الدرجة الثالثة , ولاح لي منظَرهُ وهو
يتألم على إثرِ تَذَكُرِهِ حادثة احتراق زوجته , عرفتُ عن يقينٍ مدى حزنه ولوعته في تلك اللحظه ,
وأردف قائلاً : تجاوزنا الأزمة أول يومٍ لِإصابتها وأصبحت أحسن حالًا بعد يوم فبُعِثَ الأملُ فينا بأنها عَدّتْ مرحلة الخطر فاطمأنت نفوسنا جميعاً ولكن . . .
لم نكنْ نعلمُ أن القدرَ كان قد خَبأُ لنا شيئاً .
لم يمر اليوم الثالث بسلام فقد تفاقمت ازمتها وساء وضعها الصحي مما يُنبِؤُ عن كارثةٍ , لم يُفِد معها جميع إسعافاتٍ تواتريَةٍ فكانت هي أقربُ إلى الموتِ منها إلى الحياة
وأسلمتْ الروح الى خالقها .
وَعَقّبَ وهو يجْتَرُّ الكلماتُ إجتراراً
لم يكن محتوى الآنيةَ البلاستيكية سوى البنزين , كانت غلطتي أنا وليست غلطة امرأتي , سوف أُسألُ يوم الدين عمّا اقترفت يداي وسأُحاسبُ حساباً عسيراً عن مدى
سهوي واستهتاري بِعدم تحذيري لِأهلي من أن الآنيةَ كانت تحوي سائلاً سريع الإشتعال وليس هو نفطاً أبيضاً , سوف لن أسامح نفسي مادمت حياً ,
وكانت آخِرُ كلماته مُنهيّاً حديثهُ : أقسمُ بالله العظيم بأنني لم أهنأ ولم أستطِع إلى النوم سبيلاً منذ غادرت الدنيا زوجتي ,
ماذا يمكن أن أقول له مواسياً كيف أُهدِئَ من روعِهِ وأيةُ كلماتٍ سحريةٍ يمكن أن تواسيه وتخفف من وطأةِ مأساتِهِ ,
لقد تبددتْ مُتعتي وتبخرت من رأسي جميع مقومات النشوةِ بين أجواءٍ مثاليةٍ ومشروبٍ دافئٍ ووجوه يانعةٌ تقطرُ بشاشةً وانقلبتْ أساريرُ وجهي مثل ما كانت عليه أسارير
وجه صاحبي المسكين .
هفواتٌ تافهةٌ لاترقى إلى مستوىًّ أخطاءٍ جسيمة كانت وستبقى كفيلةً بِالتسبب بحوادثَ كارثيةٍ غيرَ مُتوقعةٍ سبَبَها شرود ذهنٍ وتوهانٍ مُقترفيها ,
لاتتهاونوا أبداً ولا تستهينوا بتوافه الأمور واحسبوا حساباً دقيقاً لكل صغيرة وكبيرةٍ فالغازُ والكهرباء والبنزين وحتى الماء هي عناصر خيرٍ وشرٍّ في آنٍ واحد فاهنئوا
بخيرها واحذروا شَرّها .
نحنُ مُلزمون بتوخي الحذر تجاهها وعدم وضعها على قائمة الصدفة وحسن الظن والتهاون .
إنه سمير . . صديقٌ من ستينات القرن الماضي .
وعد الله حديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق