السبت، 23 سبتمبر 2023

 الفِكْرَةُ

بقلم: فؤاد زاديكى
كثيرًا ما يقولُ أحدُنا عبارةَ خَطَرتْ على بالي فِكرةٌ أو أتَتنِي فكرةٌ الخ... مِمَّا يُشيرُ إلى حُصولِ حالةٍ ما للمشاعرِ و الفكرِ من خواطر و تأمّلاتٍ, و ربّما حُلولٍ و مقترحاتٍ, أو حتّى تحليلاتٍ مُعيّنةٍ لواقعِ ما يجري بخصوصِ حالةٍ أو موقفٍ أو حَدَثٍ و غيره, وقد أجمعَ الكلُّ, مِمَّن تناولوا هذا الشّأنَ بالدّرسِ و التجربةِ و التّدقيقِ و البحثِ, على أنّ الفكرةَ هيَ مِنْ نِتاجِ التّفكيرِ, الذي يكونُ مُنطلقُه و مُحرّكهُ هو المُخُّ (العقلُ) و هذه ميزةُ الإنسانِ عن غيرِهِ من الكائناتِ الحيّةِ, التي تعيشُ على هذا الكوكبِ, و التّفكيرُ هو مجموعةُ الأنشطةِ العقليّةِ, غيرِ المرئيّةِ يقومُ بها الدِّماغُ عندما تتمُّ إثارتُه من خِلالِ موقفٍ أو حدَثٍ أو مُؤثّر, ويمكنُ القولُ أنّ الفكرةَ هي أصلُ الأشياءِ وهي صورةٌ حيّةٌ للعقلِ في تَعامُلِهِ مع ما يحدثُ للأشخاصِ خلال مسيرةِ حياتِهم, ويُمكنُ القولُ أيضًا أنّ الفكرةَ هي الصّورةُ الذّهنيّةُ لأمرٍ ما, وقد عرّفها الفيلسوف (إيمانويل كانت) على أنّها تصوّرٌ ذهنيٌّ يُجاوِزُ عالمَ الحِسِّ, وليسَ لهُ ما يُماثِلُهُ في عالمِ التّجربةِ, بينما يقولُ أرسطو عنِ الفكرةِ إنّها الصّورةُ الذّهنيّةُ المُستَمَدَّةُ منَ العالَمِ الخارجيِّ. وعند أفلاطون الفكرةُ هي النّموذجُ العقليُّ للأشياءِ الحسِّيّةِ .
إنّ قدرةَ الإنسانِ على خَلقِ الأفكارِ, تتزامنُ مترافقةً مع قدرتِهِ على الاستنتاجِ و الاستخلاص مِن خلال تعبيرِهِ عن نفسِه, في جميعِ الأحوالِ, وعندما يتعرّضُ الإنسانُ في حياتِهِ لمواقف صعبةٍ أو مشاكل معقّدةٍ فهوَ يحتاجُ إلى منحِ نفسِهِ و فكرِهِ وقتًا كافِيًا, يحاولُ مِنْ خلالِهِ أن يبحثَ عن أسبابِ كلِّ هذه الأمورِ, كُلٍّ على حِدَةٍ, يدقّق فيها و يشحذُ فكرَهُ في عمليّة البحثِ عمّا يُمكِنُ أن يَرى فيهِ حلًّا لهذه المعضلة أو المشكلةِ أو الموقفِ, الذي تعرّض لهُ وقد تكون فيه خطورةٌ أو أنّه أمرُ حسّاسٌ للغايةِ, منَ الضروريِّ إيجادُ حَلٍّ لهُ أو لهَا كي تستقرَّ أمورُهُ و يعتدلَ مزاجهُ فيشعر عندئذٍ براحةٍ و استقرارٍ و هُدُوءٍ.
قدَ يموتُ الإنسانُ بينما تبقى الفكرةُ مِنْ بعدِهِ, فهي لا تموتُ, و بطبيعةِ الحالِ, تُوجَدُ أفكارٌ ناجحةٌ تحقّقُ ما يسعى له الشّخص, و ما يرغبُ بالوصولِ إليه, و في الوقتِ ذاتِهِ تُوجدُ أفكارٌ فاشلةٌ غير ناجحةٍ, لا تحقّقُ أيَّ غرضٍ أو فائدةٍ, وهذا يتوقّفُ على مدى فهمِ الأشخاصِ و وعيهم واستعدادهم و تصرّفهم و على الظّروف الخارجيّة, التي قد تفعلُ فعلَها بشكلٍ إيجابِيٍّ أو سلبيّ.
إنّ الفكرةَ خواطرٌ و إلهامٌ يدفعانِ المرءَ إلى التّفاعلِ و التّجاوبِ لتحقيقِ المنشودِ من هذه الخاطرةِ أو الإلهامِ, و كلّ هذه المؤثراتِ و الدّوافعِ و المفاعيلِ تأتي منَ العقلِ, وليست كلّ الأفكارِ فاعلةً نَشطةً أو لها قيمةٌ, فقد تأتينا في حالاتٍ معيّنةٍ فكرةٌ مِنْ لا شيء, غريبةٌ لم نكنْ حضّرنا لها أو فكّرنا بها.
لا تأتي الأفكارُ هكذا دونَ أسبابٍ, فالحياةُ التي نَعيشُها بكلِّ ما نمرُّ بهِ في يومِنا, الذي نعيشُهُ و الظّروفُ التي نمرّ بها, و المؤثّراتُ و الضّغوطُ التي تُمارَسُ علينا أو نَعيشُها, كلُّها عبارةٌ عن خزّانٍ يحتوي جميعَ هذه المؤثرات و الفعالياتِ لتظهرَ من حينٍ لآخرَ, على هيئة خاطرةٍ أو الهامٍ أو تفاعلٍ داخليٍّ يدفعُنا إلى وجوبِ تفريغِ البعضِ من محتوياتِ هذا الخزّانِ, و عندما يتحقّقُ هذا تدخلُ الرّاحةُ على نفوسِنا و كذلك الهدوءُ إلى جانب الشّعور بالثّقة بالنّفس, لأنّنا بهذا نكونُ حقّقنَا إنجازَ نجاحٍ ما, وهذا أمرٌ مهمٌّ جِدًّا, له انعكاسٌ إيجابيٌّ كبيرٌعلى حياتِنا, بعكسِ حالةِ الفشلِ, التي قد تدفعُ إلى الخيبةِ و الفشلِ ومن ثمّ الشّعورِ بالإحباطِ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكوى الطبيعة

  شكوى الطبيعة همست ْ بأذن ِالليل ِ أغصان ُالشجر ْ تشكو حنين َ الروض ِ شوقَـَه ُ للقمر ْ والورد بثَّ غرامه ُ متــلهـِّـفا للنور ِ يغمر ُه ُ ...