و..
يُنكِرُ الأنسانُ جميلاً
من سلسلة خواطر
وعد الله حديد
في السادس عشر
أجِدُ صعوبةً في بعض الأحيانِ للتمهيد الى مدونةٍ أو إلى أيَّ شيئٍ أنوي كتابتهُ يُنسبُ إلى الأدب , يجب أن أكون مُبدعاً في التمهيد للمادة الادبية التي أروم كتابتها فالمقدمة هي الواجهةُ الحقيقيةُ التي ستُفضي
للمُتلقي شرحاً مقتضباَ لما ستؤولُ إليهِ ألأحداثُ ,
أنْ أُحسِنَ التمهيدَ وأُحسِنَ مابعدها بمجهوٍدٍ ذاتِيّ دون الاقتراب من الزميل كوكل فهذا عملٌ مُتقنٌ يوحي للمتلقي بالقناعة وبالإطمئنانِ أنه بين يدي أديبٍ مُتمرسٍ يُحسنُ إنتقاء ادواته الفكريةِ من أجلِ
أداءٍ أدبيٍّ راقٍ .
ليسَ لِلعمِ حامد سوى ثلاثةُ بنات , لم يُرزقَ بولدٍ في شبابه , أدركته الكهولة وتوفيت زوجته الأُولى أمُّ البنات أشاروا عليه أن يتأهل , أن يتأهل يعني أن تقوم امرأةٍ بمداراته فبناتُه قد غادرنَ بيتَ أبيهن و
تزوجنَ وهُنَّ اليوم مُنشغلاتٌ في بيوتهنَّ ولا سبيل ولا أمل من أن يكُنَّ عوناً لِأبيهن ,
ها هو ذا يفعل,
تأهل أخيراً وعاودته آماله وأحلامه بأن يرزقه الله بِطفلٍ يحملَ اسمُهُ , إن الأطفالَ حِلمُ كلُّ رجلٍ حتى لو كانَ نصيبُ أحدهُم طِفلٌ واحدٌ , ,
لقد أكرمهُ اللهُ وحققَ لهُ أمانيهِ بعد طوِلِ إنتظار هاهو أولُ طِفلٍ يُبصر النور ويُدشنَ بإطلالتهِ فجرِ يومٍ صيفيٍّ جديد ,
إن العم حامد فرِحٌ ومسرورٌ لا يعرف كيف يصف فرحته , أحَسَّ أن الدنيا لن تتسع له , كيف لا فاليوم هو أباً لطفلٍ يحمل اسمه , إنه اليوم أبا وحيد .
تم الإتفاقُ على تسميةَ الطفل ( وحيد ) ظناً من الجميع أن لا طفل يُؤملُ أن يُشَرِفَ بعده لِكِبرِ سِّنِ والده .
وتشاءُ الصُدف بأن تُرزَقَ ( فاضلة) وهي ابنةُ أخٍ للعم حامد , ترزق فاضلة بطفلٍ أسموهُ (جميل ) كي يطابق اسمه وجههُ الجميلِ وإطلالته البهية .
وفي جلسةٍ عائليةٍ تُفضي فاضلة إلى (نعيمة) أُمُّ وحيد أن طفلها دائم الصراخ فهو لايشعر بالشبع لِنُدرةِ الحليب في صدرها ,أشارت امُّ وحيد أن تقوم هي بإرضاعِ جميل إلى جانب وحيد ,
واستمر الوضع هكذا . .
عَلِم حامدُ أن زوجتَهُ تقوم بإرضاع جميل دون علمه مما أثار استياءَهُ وعدم رِضاه لِأن زوجته أخفت عليه ذلك الامر , هو يظنُّ أن لايجوز فعلُ إمرٍ إلاَّ ويعلم الزوج به فيوافق عليه .
ولكنه لم يصل الى مرحلة الممانعة فإن فاضلة هي ابنةُ أخيهِ ,
ويكبر وحيد ومثله يكبر جميل ,
يفتح جميل عينيه على دنيا المال والعمل الحر وهو لم يزل في عمر الخامسة عشرةَ ويتخلى عن الدراسة ويركُنَ كتبه ودفاتره في خزانةٍ منسيةٍ .
بينما يضع وحيد التعليم نصب عينيه إنه يريد أن يلج عالم الطيران هذا هو حلمه الذي راوده وهو بعدُ يافعاً , أراد أن يُصبح طياراً
ونسي جميل أمراً مهماً
نسي أن يوفي بعض الدين الذي هو مدينٌ به لأُمِه نعيمه التي أرضعته حولينِ كاملين وأنه أصبح أخاً بالرضاعة لإبنها وحيد .نسِيَ وهو في خِضَمِّ معركته للحصول على المزيد من المال نسي أن يصلَ
أمه لمجرد إلقاء التحية عليها , لقد أساءَ عن سبقِ إصرارٍ أو ربما عن جهالةٍ وغباء أساءَ للأُمومةِ إساءةً فاضحةً.
لم يتكلف يوماً أن يزورها أو أن يحمل لها بضع تفاحاتٍ أو حتى باقةً من الكرفس و لم يخطر بباله ان يكرمها بثوبٍ يليق بالأُم , نسي أن الدم الذي يجري في عروقه قد عززهُ الحليب الذي تَلقاهُ
من أُمهِ نعيمة ذلك الذي قَوَّاهُ وعمل منه رجلاً ,
وفي خضم توهانِهِ وإقبالهِ على المال وهو لم يزل في مرحلةٍ مبكرةٍ من سنيِّ عُمُرِهِ فقد توارت عنده سِمةُ الرحمة والمشاعر الإنسانية وحَلَّت محلَها مُفارقات العمل والحصول على المزيد من المال
لم يعُد يعرفُ مشاعراً ولا علاقاتٍ أُسريةٍ مفروضةٍ بل صار يلهثُ وراء الوجاهةِ والدنانيرَ .
لاسبيل أن تُنادي بإصلاحِ إنسانٍ ألاّ أن يبادرَالانسانُ بِنفسِهِ فَيُصلحَ نفسه , ربما حاولت أُمُّهُ فاضلة إفهامه أن له امَّاً ثانيةً وأن له أخاً بالرضاعة إشترك مع أخيه بالرضع من ثديٍّ واحد إلاَّ ان الضياءَ الساطع
المُتأتى عن المال أضلّهُ قبل أن يُضيئَ لهُ ويهديه سواء السبيل فيكرم أُمهُ ويتَقَرَبُ ألى أخيه ,
وعد الله حديد

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق