/ عد لنا يا رمضان الكريم
كانت أوتار سطح بيتنا تعزف كل الألحان بمقاطع غريبة ،وتنتهي بالصمت عند آخر زخة من المطر.
الثلج يتكاثف حبة حبة حتى يعلو المتر وأكثر، وهنا تبدأ معاركنا بالثلج غير آبهين بالرد.
رمضان كان لوحة نائمة في عيون الزمن، منذ الصباح الباكر كان صوت الأم حنونا، خافتًا هادئا ينادينا اسمًا اسمًا لنجلس والنعاس يقتل عيوننا على سفرة السحور الهادئة، تملؤها كؤوس الشاي ،والتمر والمخللات ،ومربى العنب.
لم يكن غريبا أن يطرق باب البيت حيث ترى وجه الجارة تطلب شيئًا أو تحضر معها شيئًا.
الأيام كانت تتلاشى سريعا بين الجوع وخطواتنا باتجاه المسجد وصلاة الفجر وتراويح العيد وشراء الملابس وتجميع الفواكه والحلويات بانتظار الأذان .
سريعا يجتمع الآلاف بالهواء الطلق وعلى سجادة الأرض بالبستان الكبير وتتعالى بالسماء طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
كنا أناسا نحب الناس.
جيران يعرفون الجيران
وإخوة يحفظون العهد.
كانت الكلمات هي وسيلتنا للوصول إلى القلوب ونظارات العيون كانت رسائلنا للتوصل مع الناس .
طعامنا بالوانه المختلفة تنتجه الوالدة بمصنع خبرتها وترشقه بأجمل البهارات وأروع الأذواق.
حلوياتنا مصنوعة بفرن الجيران وأحيانًا نجلس حارة كاملة على شاشة صغيرة باحدى البيوت واحيانا كان الشباك هو المكان الوحيد لنرى تمثيلية غوار الطوشه.
مطبخنا كان امتدادا لمطبخ الجيران.
أكلنا كان خير الحارة كلها .
كانت الصحون تنتقل بين البيوت برائحتها ومختلف انواعها .
وشباكنا كان امتدادا للبيوت المجاورة وصباح الخير أيها الجار.
كانت الأشياء بطعم آخر والقلوب لها نقاء آخر والروح كانت بلا شوائب.
كان الله حاجزا بيننا والخطيئة
والفقراء مشغول عليهم الجميع خوفنا أن ينامو مع الجوع.
الفرحة هي جمعتنا ،والضحكات تتعالى كشمس الصباح وقصص الجد هي أحلامنا أوهامنا والساعة المنذرة ببداية الليل.
وأيدي الأم أجمل وأقدس ما نملك وانعمها وكلمة يمه.
كان صوت الأب هو القانون ،والمانع من الانحراف
والطريق التي علينا أن نسلكها.
كنا نقبل أيادي الجد والجار وكل كبير ،حتى يدي الأخ الكبير .
كنا نقف بالباص لنعطيه لامراه ، جدة ،جد ،حامل وطفلة .
كنا نشامى
للزيتون طعم آخر ،ومربى العنب ،السفرجل ، التين الدبس ،المخللات والمقدوس أجمل ما بسفرتنا.
حتى الفلافل والحمص والفول بطعم اخر .
والسوس وعصير التمر الهندي من أطفأت عطشنا
هناك تصارعنا والأخوة واحتمينا بحضن الأب ونمنا على صدر الجدة ،وسمعنا قصص الأبطال ،والفتوحات وعظمة الإسلام ،وعدالة عمر ،وتحول الهلال إلى بدر.
نعم حتى الهواء بالصباح كان له حضور آخر ،خفيف الوزن ،جميل المنظر عذب الاحساس.
كانت الجلسات صراعا للكلمات ولم نعرف للصمت طريقا، صراخنا كان تعبيرًا عن الفرحة والأمل.
أين نحن اليوم من زماننا الجميل ؟
كان اسمه رمضان وكان الله معنا.
لنصرخ من جديد عد لنا كما الأمس .
عد يا رمضان.
طلعت كنعان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق