قصة قصيرة
القديس محمد
لا سبب لكتابة هذه القصة. سوى أني تعبت.. من كثرة حكيها, لكل من سألني. لمّ أسميت ابنك بهذا الأسم..؟, هاهي بين أيديكم, كما حدثت.., لكم الخيرة في فهمها..
انتقل إلى إدارتنا زميل.. سمعنا عنه كثيراً, بناءاً على رغبته. أصبح بيننا, تأكدنا من أخلاقياته, التي يتحاكى بها الجميع, بعيداً عن الأساطير, سوف أعرفكم عليه, بداية اسمه ( محمد).. ملتزماً في عمله.. مواقفه, تصرفاته.. تصنفه كأحد كبار المحسنين, متفقهاً في دينه, صاحب مبدأ ورأي, مستمعاً راقياً, متحدثاً مقلاً, لكلماته مذاق بطعم اليقين, واثقاً من نفسه, ربه.. لا يتحدث.. إلا وقدم مشيئة الله, في أول حديثه وآخره,.. اسميناه الأستاذ ( محمد ـ إن شاء الله), أسعدته التسمية.. لم نقصده في خدمة. إلا وقضاها.., لا يفخر. أو يتباهى.., كل ما كان يذكره, عندما يقضي خدمة لأحدنا:
ــ اذهب لقضاء مصلحتك.. بمجرد أن تذكر اسمك, أنك من طرفي, سوف تقضى بأذن الله.. فقط. سبح بحمد ربك واستغفره..
إليكم. أثره الطيب في إدارتنا.. كنا نقدم خدماتنا برشوة.., طهرنا من رذيلتنا.. بحكمته, توجيهاته, مساندته.., أصبحنا عين العفاف في نزاهتنا، التزامنا.. ولأرباب الشر جبروتهم, بطشهم.., كان لنا درعاً.. يتصاغرون أمامه، يتساقطون.., الحق أقوله لكم, عندما يأتي أحدهم, يواجهه.. لا يبقى للزائر هماً, سوى ثبات قدميه داخل حذائه, تزيغ أحرف كلماته, تتبعثر.., ينعقد لسانه, ينسى. لمّ جاء أصلاً؟, هذا عن بعض تأثيره..
أما عن ملاحظاتنا, التي على سبيل ديمومة وجوده.. حضوره مبكراً, يفتح حقيبته, يخرج مصحفاً, سجادة صلاة, أجندة صغيرة.. يتابع منها أورادة اليومية,.. ومسبحته.. كان الله في عونها. لا تهدأ بين أنامله, لا تقل حرارتها عن أربعين.., عندما تحين صلاة الظهر, يؤم الزملاء..
أما فيما يخصني. ناداني, أجلسني بجواره:
ــ لمّ لم تتزوج حتى الأن يا عطية..؟
ــ أريد أن أكون مسيحياً بحق.
ــ تستطيع.. وأنت متزوج
ــ.. المسيح لم يتزوج
ــ.., لم يطلب منك ذلك
ــ وهبت نفسي لأم النور, نورها قدوتي..
ــ ابن البتول له ظروفه النبوية, البنيوية, الكونية.., هو نفسه خلق بمعجزة..
ــ هو راعينا القائل ( تمثلوا بصفات الرب )
ــ.. قال.., لم يقل خصائص الرب
ــ أهناك فرق..؟
ــ طبعاً يا ولدي.. صفاته الرحمة, العدل, التسامح, حب الخير,.. كل ما يمكنك أن تقتدي به.. أما خصائصه فأنه الخالق, الأول, الأخر.., كل ما لا يمكنك فعله..
شذبت كلماته أفكاري, هذبت بصيرته بصيرتي, حاصرتها.., ضاق فكري بمعتقدي, شعرت بضيق نفسي, قشعريرة في منبت شعري, كادت عيناي. تساقط لؤلؤها. فحقاً.. آلمني بما ذكرني.., خاصة وصية والداي تقدست أرواحهما, اللذان دأبا على مطالبتي.., برؤية أحفادهما, أنا وحيدهما..
في نفس اليوم. ذهبت إلى الكنيسة للصلاة, استماع درس الأحد, أثنائه.. رأيت أبانا صاحب العظة. يتغير شكله, أحاطت به هالة نورانية, إذا به المخلّص..
ــ ( تزوج يا عطية.. أهبك محبتي, القديس معاً)
أكمل القس عظته, مفرقاً بين صفات الرب, خصائصه.. عجبت لاتفاقه مع الشيخ محمد,.. انصرفت إلى منزلي, نمت.. آتاني الراعي, حوله الملائكة, بصوت قدسي حنون.. أهتزت له روحي, استعارته كل خلايا جسدي, رددت صداه.. :
ــ (تزوج يا عطية الله)
في اليوم التالي.. ذهبت لعملي, وجدته.., كأنه ينتظرني. بادرته:
ــ اقتنعت بكلامك..
ــ بل جاءك بنفسه يا عطيه..
أذهلني بمعرفته.., التي تعدت حدود المألوف,.. كأني ألتمس إذنه, مباركته..:
ــ من أين أبدأ..؟
ــ بالمكتب المجاور ثلاث فتيات قبطيات, تعرفهم جيداً. تخير منهن..
كأنه قرأني. كنت أميل لإحداهن, لم أجرؤ على الإعلان.. شجعني.., خلال أيام.. مرت كالحلم. خطبتها.., سرعان ما تآلفنا.., تزوجتها, أصبحت قرة عيني.., لاحقتني أحلام الأبوة. ليلاً ونهاراً.. في صحوتي ومنامي, إذا بالآب ابن العذراء والسماء.. يحمل طفلاً رضيعاً:
ــ بوركت بمحبتي, هذا ما وعدتك به.. (القديس محمد)
استيقظت على تأوهاتها, أنينها..
ــ يبدو أن عذراؤنا. وهبها الله الروح, تحركت في أحشائي..
ــ بل هو قديس, اسمه ( محمد عطية الله بشارة عيسى).
بقلمي
الكاتب/ عصام سعد حامد
مصر أسيوط ديروط
20 / 5 / 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق