عود على بدء
بقلم: ماهر اللطيف
دنت مني في غفلة من أمها و قبلتني قبلة عميقة على خدي جعلت جسدي يرتعد ارتعادا شديدا إلى أن أحسست بنار تلتهب من أعماقي و تهز كياني و تحرك كل مكوناته و أعضائه التي خرت ساجدة حامدة و شاكرة خالقها على هذه النعمة وهذه اللحظة الحميمية المشهودة.
ولم تنته عند هذا الحد، بل انها قالت بصوتها الشجي الرنان الذي يذيب كل صلب و يهدم الجبال و الهضاب يمطر السحاب:
- (بعد صمت و تلذذ لكل ما سبق ذكره و تفكير طويل) نفس الشيء بالنسبة لي و أكثر يا روحي
- (مقاطعة) بما إننا نحكي على الروح، هل تكبر الروح و تشيخ وهي في هذا الوعاء المادي و هو الجسد الذي يحملها طيلة مكوث صاحبها على وجه الأرض؟
- (مستغربا من هذا السؤال و مفكرا مليا في الجواب) يقول تعالى في سورة الإسراء الآية 85" و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي و ما أوتيتم من العلم الا قليلا". نعم ، تكبر و تشيخ و تهرم شأنها شأن الجسد لأنها مشتقة منه و متطورة عنه، و الدليل حالة الخرف و فقدان التوازن النفسي عند الكبر. - (متعجبة) لكن الآية التي استشهدت بها لا تفسر شيئا البتة، بل انها زادت الإشكال إشكالا
- (بكل روية) السؤال هو عن أمر غيبي و جوابه موكول إلى أمر غيبي أيضا، لذلك يبقى الغموض قائما في هذا المجال. - (مبتسمة) اما أنا، فأرى عكسك تماما، فالروح لا تكبر و لا تشيخ لأنها شيء غير مادي لتتأثر بالزمن و تقدم السن عكس الجسد الذي هو قشرة الروح يهرم و يكبر
- (متسائلا) كيف لا تكبر؟ هل كانت روحك تشعر و تتصرف وانت طفلة؟ هل هي نفسها من الولادة إلى الآن؟
- (مستجمعة قواها) عزيزي، الروح لا تكبر و لا تصغر و لا تمرض و لا تهرم و لا تتأثر بما يمر على الجسد من عوارض، و إنما هي نفخة من نفخات الخالق سبحانه وتعالى. و أما ما ذكرت في الآية الكريمة فهو لا يدل على أن الروح تكبر وتصغر. و إنما كان سؤال من قبل اليهود للنبي الأكرم صلى الله عليه و سلم و على آله و صحبه أجمعين و سلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين فلم يجبهم الله عن سؤالهم و إنما أجابهم استصغارا بهم لكي يبين لهم محدودية علومهم لأنهم يعتقدون أنهم الأعلم الأفضل و الأرقي من غيرهم، فقال لهم الله سبحانه و تعالى "وما أوتيتم من العلم الا قليلا"
و بقينا كذلك كل يدلو بدلوه في هذا الموضوع ولم نهتد إلى موقف موحد غير الإقرار بأن الأمور الغيبية لا يعرف أسرارها و خفاياها الا خالقها الذي أتاح لنا الفرص للوصول إلى حيث نريد و منع عنا مثل هذه الأمور وهي الغيبيات التي تخصه دون غيره سبحانه وتعالى.
وبالتالي، فقد عدنا من حيث انطلقنا و هو ما يعبر عنه ب"عود على بدء" وفقدنا كل إمكانية للوصول إلى نتيجة، لكني حقيقة كنت مبتهجا و فرحا فرحا شديدا بعد ما لمسته لدى ابنتي العزيزة من معلومات و علوم و قدرات جعلتني اطمئن عليها و على مستقبلها بإذن الله تعالى، و هو نفس شعور أمها التي كانت تتابعنا باهتمام شديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق