(أجابة السؤال شبيهة الوطن)
دائما اتصفح وأنا في حالة جيدة‘ وأقلب المنشورات في يدي كاوراق الكتاب صفحة صفحة ‘فمنشور يستفزني موضوعه‘ ومنشور يضحكني ‘ومنشور يعجنني لغته وأسلوب الكاتب والعكس ‘دون ان أجد في نفسي أثراً يستدعي الاحباط والقعود .
وهكذا استمر في التنقل بين حروف الأصدقاء الراقية والعبارات النقية من منشور إلى أخر.
وحين أجد منشور فتاة الاعلام مطبوعا عليه صورتها الجميلة أقف واطيل النظر إليها بتمعن واغوص في تفاصيلها‘ فيبدأ جسمي بالتململ والضيق‘ وأبدأ أشرع في الهذيان وتبدأ الحمى تباغتني‘ وتبدأ الهموم تداهمني‘فانطق هذا العبارة وقلبي يقطر ألماً وحسرة (ياليتي كنت تراباً )فتهم نفسي بالرحيل ولكن قد أسرني جمالها وراداني قتيلاً ‘ تنتابني حالة نفسية معقدة ‘فيظل جمالها كسكين ينحر في منحري ‘وأظل كطائر مكسور الجناح ‘فقِدَ الأمل والحياة يتقلب بين ترابها عاجزاً عن التحليق !!
ودائما يتكرر معي هذا ومازال يتكرر إلى يومنا هذا .
ولو سئلت لما وجدت لدائي شفاء
فبدأتُ أسعى الى التخلص من هذا المرض‘ وبدأت قريحتي تمعن في التفكبر وتسوق أمامي الطرق وتسرد لي الخيارات.
فسألتُ أحد الأصدقاء وقصصت عليه القصة ‘فأجابني قائلا: ربما هي حالة تنتاب الشعراء وأنت منهم يا صديقي ‘فطأطأت له رأسي مجالمة وأنا غير مقتنع بالجواب.
ومازلت اتعرض لهذا الامر مراراً وتكراراً‘ ومازلت أسأل نفسي في كل وقت وحين ‘ومازلت ابحث عن الأسباب وايجاد الحلول‘ فتوصلت إلى قناعة بان أغلق الفيس ‘وأترك منصات التواصل الاجتماعي ‘وأغادر من العالم الارزق نهائيا.!!
وذات يوم سألت الهدهد وقصصت عليه القصة فقال لي : هل تستطيع أن تتحدث عن الوطن كيف كان سابقاً وكيف هو الآن ؟ فقلت له نعم.
اذا ذهبت إلى صنعاء أرى الناس فيها بين غاد وراح كالنمل كل منهم له شأن يقضيه ‘ووجوهم مملؤة بالسعادة ‘متفائلة بالمستقبل الجديد
. وحين تستدل ثوبها أراها كلؤلؤلة مسحت بماء الغيث بعد ان غطّيتْ بالتراب‘ وتستمر بهذا الجمال حتى يطرق الفجر أبواب المنازل بآذان الصلاة ‘ وبعد ساعة تطل الشمس من قُبّة جبل نقم مرسلة أشعتها على الحارات ‘فأطل من النافذة أسمع حركة السير ترن في اذني كالموسيقى مصحوبة برائحة النسيم ‘والقهوة ومائدة الافطار .
فكم حديقة استمتعت بها ‘!وكم فن معماري أطلت النظر فيه ‘!وكم كلية رسمت بها ذكرياتي ‘!وكم شارع احببت الذهاب إليه‘ ! وكم منتزه استمتعت الجلوس فيه‘! سواء لوحدي أو مع زملائي..
فكل شيء فيها كان يبدو لي جميلا!
وما أجمل صنعاء !حين أطل عليها من جبل عطان او نقم ‘وأحدق فيها بعيني ثم أقبلها بصورة تذكارية .
ثم سكت فنظر إليّ و قال: تحدث عن الأرياف ‘فقلت :اما الارياف فقد كانت ذاكرتي مملؤة بالصور الجميلة وصدق من قال (ماأجمل الصبح في ريف اليمن) وقد كنت دائما أضحك بين أحضان الطبيعة الخلابة مستمتعا
بمستنقعاتها ‘ مستحضرا في ذهني قراها الصغيرة ‘وحقولها الخضراء‘ مستحوحيا من طينتها المقدسة رائحة العفو والتسامح‘ مستمتعا بهواءها النقي ‘ وكان يعجنني عادات وتقاليد القبيلة المدهونة بالفطرة والمودة‘ محفوفة بالكرم والعطاء .
واليوم أضحت مستنفرة برائحة الدم!! ملفوفة بثوب الاكفان !في وجوه أصحابها الف ابكية مغشية بالسواد !!.
و تحولت حقولها من جنة خضراء إلى جهنم حمراء‘ وتخربت مدرجاتها‘ وظل الحرب والفقر والصراع حضارتها الجديدة .
يسودها النفاق والفساد‘ ويخيم عليها الجهل والتخلف والتعجرف.
عاداتها وتقاليدها طهيت على موقد الغضب ‘بعد ان حشيت بالعبارات الأتية :(افعل ما يحلو لك ‘أنت حر‘ لا شأن لي بك .
فقال لي حسبك ياصديقي : ثم فقال:
وحين اختفت تلك الصور الجميلة عن الخيال والنظر واستبدِل التراب برماد المنازل‘ وغيّرتْ حركة السير بأزيز الطائرات‘ واستبدلت الحدائق بالخنادق ‘واستبدلت الافراح بالاحزان‘ واستبدلت المساجد بالمقابر‘ وتحول الشعب من طواف العبادة إلى طوائف الاحزاب ً‘واستبدل كل جميل بكل قبيح.!
فاعدادت نفسك على رؤية الأشياء القبيحة ‘ولم تعد تعتاد رؤية الأشياء الجميلة ‘ومع الاستمرار اعددت الحياة المريرة ‘وحين رأيت فتاة الاعلام الجميلة رأيت شبيه وطنك في صورة ملاك ‘فأخذتك الذكريات إلى وطنك الجميل ‘وهكذا يا صديقي فكل شيء جميل تراه ستذكر وطنك فينتابك الحزن والألم والحسرة.
بقلم /عبد الغني يحيى اليحياوي
اليمن 27/5/2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق