لا تُجاهِرْ . .
من سلسلة خواطر
وعد الله حديد
في السابع من شهر أيلول
2023
لم أكن على درايةٍ تامةٍ بما أنا فاعلٌ , ليس منطقياً الجهر بامتلاكِ اشياءٍ قد يجد الاخرون صعوبةً بالغة ببلوغها , وهذا من شأنِهِ أن يسبب لهم أذيةً غير مقصودةٍ .
ربما شَعرَ الاثرياءُ أن صيتاً بين القومِ بامتلاك سياراتٍ فارهةٍ و أموالاً تنوءُ بحملها الإبلُ أن سيكونوا موضع رهبةٍ وإحترامٍ وهيمنةٍ من قبل الآخرين ولكنهم تناسوا
أن إشاعةً مثلَ تلك قد يكون مردودُها سيئاً , وأنهم سيكونوا موضعٍ رصدٍ حقودٍ على الدوام من قبل من لا يستطيع أن يبلغَ تلك المُقتنيات وأن نظرة حسدٍ وربما
تبييتٍ لأعمالِ غيرَ محمودةٍ قد تطالَهُم يوماً .
كنت قبل يومٍ في زيارةٍ لطبيبةٍ نسائيةٍ من أجل عرض أهلي عليها , إنّ أمامنا سبعين إمرأة يجب ان يُعرَضنَ على الطبيبة يأتي بعدها دَورُ أهلي في المعاينة .
حجرةٌ إستقبال المرضى كئيبةً مزريةٍ لاشكل لها ولا لون ولا تليق باستقبال أُناسٍ محترمين ,
مكانٌ يتسع لعشرةِ نساءٍ حُشِرَتْ فيه أضعافُ هذا العدد من النساء , وكان نصيبي ان أتخذ لي
مكاناً في الممر الضيق الذي يؤدي الى حجرة الاستقبال ,إنه إستخفافٌ سافرٌ بمقادير المرضى ومرافقيهم , هكذا يفعل بعض اطباءِنا المحترمين من الذين يفركون
الدرهم خوف أن يكونِ درهمين .
ولكي أتحررَ من معمعةِ إحتجازٍ طوعِيٍّ ضمن هذا الحشد الهائل من نساءٍ مُتشكياتٍ آثَرتُ الخروج الى الطريق العام أبحث عما يمكن أن يخفف عني وطأةَ الإحتجاز ,
لا شيئ غير الطعام يمكن أن يُسّرّي عني , مهما كان نوع ذلك الطعام ,هكذا أنا أتجهُ دوماً الى تناول الطعام لِأُخفف من وطأةِ تكدري وتعكر مزاجي .
إستويتُ في مطعمٍ متواضعٍ , هو متواضعٌ لكنّ جدرانهُ تسبحُ في مُظاهرةِ دِهانٍ بيضاءَ تُسِرُّ الناظر وأجواءٍ تعجُّ ضياءً , إنهُ المكانُ المثاليُّ لتناول وجبةِ طعامٍ خفيفةٍ
أوصيتُ على سندويج (فلافل) فليس كبة حلب ضمن شهيتي في تلك اللحظة ولن تكون ال (الشاورما ) بوضعها المكبوس ضمن اهتماماتي ,
إن صاحب المطعم كان الأكثرُ سخاءً من أولئك الذين حشروا حشداً من النساءِ في حيِّزٍ ضيِّقٍ , لقد وضع جميع انواع المقبلات في متناول ايدينا ننهلُ منها ما نشاء ,
وقف الى جانبي شاباً أوصى على طعامٍ بمثل ما أوصيتُ , أشار لعامل المطعم أن لا يضع ملحاً في طعامه , تطَفّلْتُ . . وزارني الفضولُ على حينِ غّرّةٍ لأنني لم أصبر على ماسمعت ,
قلتُ كيف لك أن تأكل طعاماً دون ملح قال إن الملحَ مُضِرٌّ بصحة الإنسان وأردف قائلاً بأنه وهو في سن الخمسين من عمره بأتم صحة ولا يشتكي مما يشتكي منه الآخرون من أمراضٍ
مزمنةٍ بين ضغط دمٍ عالٍ وسكر و و و . . وأظاف بِأنه لم يُعرضَ على طبيبٍ في حياتهِ . .
أثار الرجل دهشتي لصراحته وعدم نباهته بتوقيتٍ واحد بأن أفضى إليّ بسِرِ , السرُ برأيي هو أن يُدلي علانيةً بتمامِ صحتهِ , الصحة التي يجب أن يحتفظَ بها لنفسه ولا يُفضي بها إلى الملأ ,
تقربتُ منه ووضعتُ شفتَيَّ عند أُذُنه , قلتُ له أرجوك يا أخي أن لاتجاهر بتمام صحتك امام الاخرين ,إنه أمرٌ قد يحسدك عليهِ من لا صحة لديه , هل سمعتَ يوماً بشيئٍ أسمُهُ الحسد وأن آيةً
في كتاب الله الكريم ذكرته صراحةً (ومن شرٍّ حاسدٍ إذا حسد )الفلق5 .
تشبثَ بِيَ الرجلُ ممسكاً بتلابيبي شاكراً لي مدى حرصي وتوسل اليَّ ان أتناول الطعام معه وسوف يدفع عني فاتورة ماتناولتْ , إستأذنتُهُ واستطعتُ بصعوبةِ أن اتخلص من بين يديه
وَدَعني بابتسامةٍ عريضةٍ وسلامٍ يَشُعُّ حرارة ً.
لا تتباهى أيُها ألإنسانُ بتمام صحتك أمام الاخرين ولا تفعلها حتى أمام المِرآة فإن فعلتها فسوف ينالك حسدٌ من نفسك مثلما حدث مع صديقي يوسف حينما حَدَّثَ نفسهُ يوماً بانه لم يمرض لفترةٍ طويلةٍ
فسقط في يومه صريع المرض والمعاناةٍ ولازم الفراش ثلاثون يوماً .
تواضعْ وتسامح مع نفسك وأحترم عطايا ربك ولا تحاول إرهاقها بما يمكن ان يُسيئَ إليها ولنا في رسول الله أُسوةٌ حسنة حين قال ( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ) .
ان تحمد ربك على جميل ما وهبك من ولدٍ ومالٍ وعافية وان لا تجاهر بها إلّا لمن أنت تثق به ثقةً كبيرةً سوف يُبعد عنكَ تداعياتٍ أنت في غِنىً عنها من تربُصٍ وحسدٍ ونقمةٍ .
وعد الله حديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق