مع عنترة المغوار لما يعود ثانية إلى الديار
عنترة يعود اليوم في أفريقيا
عندما تتمرد الأسود وتتغول وتقول وتفعل.
اليوم مع الفارس الغيور،والأسد القرم الهصور،عنترة المتحدي الجسور. عندما تتمرد الأسود وتتغول وتقول وتفعل.
بلاد العرب وبلاد العجم تحفل بتنوع المشاهد والمرائي الجميلة،كذا تغير المناخ من منطقة إلى أخرى والثروات الهائلة فوق الأرض وفي باطنها. زد على ذلك النسيج الاجتماعي وتعدد القبائل والأفخاذ ومعه تعدد أساليب في التواصل حتى انه قيل:لغة تميم ،ولغة الحجازيين،ولغةنجد ولغات ولهجات شعوب أفريقياوغيرها .ورغم هذا الاختلاف البسيط نجد التلاحم والتعاضد والتضامن والنخوة والنجدة والعزة والكرامةهي الصفات السائدة ، وهي أساس التعايش ،وقد نجد مغالاة وشططا في الحــــرص عليها، حتى ان حروبا تنشب بسبب الإخلال بإحدى هذه الصفات.طُبع الإنسان العربي ومن انتمى إلى العروبة والإسلام وتربى على أخلاقها بطبيعة الأرض والمناخ والعادات والتقاليد السائدة.
كل هذه العوامل أثرت في الإنسان،وكان بروز تأثيرها الأوضح في الأدب وما حوى من نثر وشعر وما حفلت به هذه الآثار من حكم ومواعظ ومن فخر وإشادة ومن هجاء ونقد،ومن مشاعر الحب والأنس والوفاء وكل الصفات المحمودة.
تاق عنترة الذي تخيله المعري في رسالة الغفران بأنه يتلدد في الجحيم وما أدراه. عنترة الذي تصور أبو العلاء في رسالته أنه اليوم يتلدد في الجحيم ،وهو تصور مسبق كان الأجدر أن لا يقع، لأن الله وحده هو الذي يقدر ،وماأدرى مثل هؤلاء أن عنترة اليوم في نعيم مقيم؟.يتغنى بما خلد من آثارلا زلنا نرددها والبعض منا يتعلم منها.لعله اليوم تحت الظل الظليل يتغنى ويعيد برائعات النشيد :
حكم سيوفك في رقاب العذل°°°°°وإذا نزلت بدار ذل فـــــــارحل
وَإِذا بُليتَ بِظالِمٍ كُن ظالِما°°°° وَإِذا لَقيتَ ذَوي الجَهالَةِ فَاِجـــــهَل
وَإِذا الجَبانُ نَهاكَ يَومَ كَريهَةٍ°°°°° خَوفاً عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ
فَاِعصِ مَقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِها°°°°° وَاِقدِم إِذا حَقَّ اللِقــــــا في الأَوَّلِ
وَاِختَر لِنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ°°°°° أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ
فَالمَوتُ لا يُنجيكَ مِن آفاتِهِ°°°°°حِصنٌ وَلَو شَيَّدتَهُ بِالجَنــــــــــدَلِ
مَوتُ الفَتى في عِزَّةٍ خَيرٌ لَهُ°°°°°مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحــَل
إلى أن يقول:
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِــــــذِلَّةٍ°°°°° بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَـــــــــــنَّمٍ°°°°° وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَـــــــــــبُ مَنزِلِ
مل عنترة من وضعه وتاقت روحه لمرابع عبلة ولدارها والشعراء الدين غادروا فعلا وتركوا المجال لمن هب ودب.صدفة كنت على ربوة مشرفة على ما شاء الله من الأرض الشاسعة التي تشبه محميات مجاهل أفريقيا ،وفجأة ظهرت في الأفق غيمة من الغبار تخالها سحاب مركوم،لم تلبث أن انقشعت عن فارس يبدو نصف ملثم وظهرت من بعيد جبهته تلمع بلون حبة الباذنجان،ولما امعنت النظر استقصي الخبر تبين من خلال أوصافه أنه فار س لا يشق له غبار وكلما اقترب تبينت ملا محه وكشفت هويته ولما كنت قد التقيته في مرة سابقة سهل على التأكد بأنه البطل القرم الذي تباهت به وتغنت بشعره الأمم العرب منهم والعجم،عنترة الشجاع ذو البطش الشديد والعزم الأكيد والإرادة التي قدت من حديد،تقدم وهو يشير بسبابته ويتلو النشيد:
هل غادر الشعراء من متردم °°°أم هل عــــــــرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالـــــجواء تكلمي°°° وعمي صباحا دار عبلة واسلمي ...
وواصل ذاكرا بطولاته ووقائعه وانتصاراته مذكرا من اعتبروه في عداد العبيد بأن أمه تنتمي إلى بلاد هي اليوم تقطع ماء الحياة على شعوب وتبيع قطراته بالذهب لشعوب أخرى مفاخرا بأن أمه حبشية.
راق لي شعره الذي تعلمته وحفظته أيام الصبا والذي راقني أكثر أن أسمعه من فم البطل نفسه، أخذت بالمشهد ولم أدر كيف انطلق لساني يترجم بعض المعاني مما قاله البطل:واصفا طلعته مقارنا أيامه بأيامنا:
سار من عُدَّ في عداد العبــيد°°°°رافــــــع الرأس شاديا بالنشيد:
لا أبتغي عيش الرفــاه بــــذل °°°°بل أرتضي بالعز قطع الوريد
وأخوض الغمارولو في سعير°°°° مـــــن لضاها شــــيب الوليد
في حياة الخـــنوع نار تلضــى °°°°ومــــــنها بالعز هل من مزيد
ولما صار على مرمى حجرمن الزريبة الكبرى، وهو يظن أنها ميدان لمهارات الفروسية، وقراع النصال وإعداد الرجال لأيام النزال.فوجئ البطل بسياج محكم صفت فيه النصال والرماح والسيوف وقد ران عليها الصدأ، وتآكل حدها، والجموع داخلها وقد مثلت الخط ألأحمر، الذي يوسم كل من حاول تخطيه بالإرهاب، ويلقى بذلك أشد العذاب، وسوء المآل والمآب، ذكور وإناث طوائف وقبائل متنافرة متشاكسة من كل الفئات والمشارب والتوجهات، لا تجمعهم إلا تلك الحدود التي وضعها ولي أمرهم، أو تلك الوجبات من الأكل المعلبة الآتية من وراء البحر والتي تشبه أطعمة القطط والكلاب.
القوم في تنافر وتدابر، البعض يقاطع البعض، والبعض استبد به الحسد والبغض، والبعض للأجنبي مطيع، وغيره يسعى معه من أجل الرضوخ للتطبيع.أما من وضع كولي أمر الحضيرة، فقد شد بأمراس كتان إلى كرسي العبودية، مرتعدا وجلا خائفا منشغلا بمن حوله يعصره الارتياب، شاهرا سلاح الاغتيال والسجن والإرهاب بتشجيع من ولي نعمته، وحارس ملكه.اندلق فوق ذلك الكرسي حلا له المقام فأنشأ يشنف آذان أتباعه وشيعته ببذيء الكلام، والبطل المغوار مشدوه مفجع ،لا يصدق ما يرى ويسمع:
هـا..هـا..هـا..يالها من متــــع يالها°°°°دنيا تدنت بالخيــرات مالها؟
سمت بنا إلى العلا بمالنا ومالها°°°°أرخت علينا بالهـــنا سربالها
الغرب حراس لنا من حظنـــــــــا°°°°لا ضير أن يُفدي النفوس مالها
زاد البطل عجبا وحيرة واستل سيفه مفكرا في الانتقام للكرامة المهدورة، إلا أنه تذكر أنه لا يقاتل ولا يقتل إلا الأبطال الكرام،ولا يحبذ أن تتسخ يمناه بدم الجبناء الرعاديد اللئام. فكتم غيظة وهدَّأ فيضه.
يقول المثل الشعبي عندنا:ضحكة من الفرح والطرب وضحكة من العجب والغلب ضحكتُ والدمع ينهمر من عيني ،وقلت في نفسي:
هـا..هـا..هـا.. هـا..هـا..هـا..°°°°شعوب أعدت عتادا لأعدائها
صنوف من البأس سادت بها°°°° وعلم دلـيل لنهـج النـهى
بوارج في البحر مثل الجبال°°°° صقورمن الجو تحرســــها
صواريخ عابــــرات الحــــدود°°°°جهــــــاز يعــــين أهدافــهــا
أما العبيـد في خـُـلْف عقـيم °°°°كالسائمة المستـــهان بها
هواها النطاح ومكر الحـــقود°°°°والسعي لخدمة أعــدائها
ويسعى الجميع لحضن العدو°°°°ففيه التنـــافس يحلو لها
فمنه المخادع ومنه المقاطع°°°°ومن قام للقـدس يخذلها
ازداد البطل عجبا وتميز غيظا لما سمع أحدهم يتغنى مستهزئا بأفكار البطل محرفا المبنى والمعنى:
حكّم رقابك في حبال الغرباء°°°°°وارم المعالي والشهامة والإباء
واهبط لمنزلة الـــرقيق بذلة°°°°°وأفســـح ببيتك مقصفا للدخلاء
ثم اتق موقفا يدعو لمكرمة°°°°°إن الكــــــــرامة علـــــــة الإفنـــــاء
وإذا بليت بظالم اخنـــع له °°°°° فالظلم حصن ضد كرات البــلاء
يئس البطل فأدار وجهة جواده ووكزه فانطلق كالسهم تاركا خلفه سحابة النقع تغطي أثره.
جريت لأعرف وجهته إنها مفاجأتي التي قلبت الموازين وكذبت المقولات التي سمعتها قبل حين ، النقع المنعقد خلف الفارس المغوار انكشف فجأة وعلى غير ما كنت أتوقعه، انكشف عن ملايين من البشر من كل المستويات تنادي بالويل والثبور وعظائم المقدور لمن جثم على صدر الأمة ،وسرق جرعة الماء واللقمة، وأورثها الكرب والغمة ،أمة حاشدة وبالسلم والسكينة راشدة،تطلب عزها ومؤطرة من تلقاء نفسها... تعثرت،من شدة تأثري وفرحي فسقطت ليلتقى جبيني بجذع نخلة شجه لكن صرخة بجانبي أيقظتني بالملام أنني أصبت رأس زوجتي فأسرعت لإيقاظي من المنام لأجد أن الحلم أصبح حقيقة، والملايين تنادي وتصرخ بشدة وإصرار مطالبة بتنحي عصابة الأشرار. وهكذا فالدهر بأيامه لعوب، ويا ويل من استهان بكرامة الشعوب.
أحمد المقراني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق