قصة قصيرة
بقلم: مرشد سعيد الأحمد
مشيخة الأنذال
كان لنهر الجغثم الأثر الأكبر على حياة أهالي تل ألمگأصيص هذه الحياة التي تمتاز بالبساطة والعفوية
بحيث ينحصر تفكيرهم بالزواج بأكثر من زوجة وخاصة إذا كانت زوجة طامح أي زوجة مطلقة بناءً على رغبتها طامحةً بالزواج برجل أفضل من زوجها السابق.
لكن الصفة السلبية في حياتهم هي حب الغيرة بحيث كل واحد منهم لا يُحب الخير لأخيه أو لأبن بلده
لذا تجده يُحاول أن يؤذيه بأي طريقة يراها مناسبة بما فيها نقل الأخبار الملفقة والكيدية عنه إلى الشيخ الإقطاعي لكي يطرده من المجلس.
وبعد قوانين التأميم وتوزيع الأراضي على الفلاحين
أصبحت الأرض التي استملكها وسيلة للنصب والاحتيال على الناس.
وعندما جف نهر الجغثم هَجر أغلبهم أراضيهم وسكنوا المدينة وتعلموا منها وساختها وسلبياتها.
فاعتمدوا على الكذب والنفاق و نقل المعلومات الملفقة بغية التقرب من أصحاب الشأن للفوز بانتخابات النقابات أو البلديات للحصول على وظيفة يستفيد منها مادياً من خلال أساليبهم الملتوية واللامسؤولة
مما جعل بلدهم تل ألمگأصيص وجِهة للكثير من الأنذال اللذين طُرِدُوا من بلداتهم نتيجة ارتكابهم الموبقات والأفعال الدنيئة كاللواطة والتحرش الجنسي والسرقة وغيرها.
فجاؤوا إلى تل ألمگأصيص واستطاع المتعلم منها تسلم مواقع قيادية وحساسة نتيجة الخلافات التي تجري بين أبناء البلدة الأصليين والتقارير الكيدية التي يرفعونها إلى الجهات العليا مما أفقد هذه الجهات الثقة بهم وتسليمهم مثل هذه المواقع.
أما الأشخاص اللذين لا يحملون الشهادات العلمية
فقد عملوا بالتجارة والزراعة وجمعوا ثروات طائلة بينما أبناء البلد الأصليين يعيشون في فقر مُتَوَقَّع
وخير مثال عن هؤلاء الأشخاص خلف أبو حنا الذي جاء مع والده من خارج الحدود نتيجة الاضطهاد الذي مارسته عليهم حكومات بلدانهم.
فعمل والده عتّالاً يحمل على ظهره أكياس القمح والشعير والقطن والصوف وغيرها.
أما خلف فقد عمل في طفولته ماسحاً للأحذية
وبعد تأديته لخدمة العلم عاد إلى بلدة تل ألمگأصيص ليعمل مع والده في العتالة واستطاع من خلال هذا العمل توفير مبلغ من المال وظّفه للعمل في الزراعة.
فبدأ يستأجر الأرض من المالك مقابل عشرة بالمائة من المحصول.
وخلال عدة سنوات استطاع أن يجمع ثروة طائلة ويصبح أكبر مزارع على مستوى تل ألمگأصيص
وذاع صيته في المنطقة.
وأثناء جَني المحصول يقوم بنصب خيمته في ساحة القرية التي استأجر أراضيها بنسبة بسيطة من المحصول ويُقيم فيها الولائم لأبناء القرية ليكسب ودّهم ويأمن شرهم فتتحول هذه الخيمة إلى مضافة يأتيها رجال القرية لتناول وجبات الطعام وشرب الشاي والقهوة بينما خلف يشرب المشروبات الروحية كالعرق والويسكي وغيرها
مما جعل هذه الخيمة هدفاً " لِشِعَار الربابة" اللذين هم عبارة عن أشخاص من الغجر يتجولون بين القرى على ما يسمى بالعامية ( الطرطيرة) ويعزفون على آلة الربابة ويمتدحون الأشخاص ويصفونهم بالشجاعة والكرم مقابل الحصول منهم على مبلغ زهيد من المال.
وفي إحدى الولائم حضر هؤلاء اَلشِّعَار إلى الخيمة وبدءوا يمدحون خلف في أهازيجهم وكلما ذكروا اسمه
يقول لهم تحت تأثير المشروب لكم عشرة أكياس قمح
وتكررت العملية مرات كثيرة.
وفي صباح اليوم التالي استيقظ خلف من نومه على صوت العمال وهم يتحدثون عن شاحنة قادمة من بعيد باتجاه القرية.
ليتفاجأ الجميع برجال الغجر " الشّعار" في الشاحنة ومعهم عدة رجال عتّالة ليقوموا بتحميل ما يقارب المئة كيس قمح التي أعطاها لهم خلف خلال السهرة والوليمة
وعندما سألهم خلف ماذا تريدون؟
قالوا له نريد المئة كيس من القمح
فقام بطردهم قائلاً: انصرفوا من هنا حالاً
لقد اعطيتونا حكي ونحن أعطيناكم حكي.
انتهت
بقلم: مرشد سعيد الأحمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق