يا مطرة رخي رخي
سلمِ حمولتهُ، لف بمقودِ السيارةِ عائدًا.
تزداد نقراتٌ ماءِ المطرِ علي الزجاج، المساحاتُ تجاهد لإزاحتها، هدأ من سرعتهِ، في لمحِ البصرِ تشاركت العاصفة الترابية مع الغيومُ الثقيلة في تكبيل الضوء فبهت ... للسلامة بدأت السياراتُ العابرة تركنُ على جانبِ الطريق... ساد الظلام.
عجزت كشافاتُ السيارة ِعن تبديدِ الظُلمة، يُعلن مذياعُ السيارةِ عن غلقِ بعضَ الطرق ... يا إلهي الطريقُ الذي اسيرُ فيهِ ضمنها .
سيلٌ جارفٌ من الماء ينهمرُ من خلالِ واديٍ جبليٍ يمر بجواره، غمرت المياهُ سيارتهُ العملاقة من كلِ جانبٍ، أُتلفت الدائرةُ الكهربائيةِ، توقف مرغمًا، تملكهُ الرعب ... المنطقةُ منحدرة ، السيارةُ تنزلقُ بجانبها، أيقن هلاكه فأسفل المنطقةِ منحدرٌ عميق، شىءٌ ما أعاق إنزلاق السيارة، المياه تعلو، هاتفهُ لا يلتقطُ أي اشارة.
ارخي الليلُ سدولهُ وساد ظلامٌ حالك، تملكه شعور بالخوف استجمع شجاعته واستسلمِ لقضائه. أخذتهُ رحمةُ اللهِ لسنةٍ من النومِ.
تسلل الدفء لاوصاله، مع تسلل رائحةُ احتراقِ حطبِ القطن لأنفهِ ... يدسُ بصلةً في محماةِ الكانون ويجلس بجوار أمهِ يتدثر بحنانها.
يترامي لسمعهِ صوتُ أقرانهِ يلهون تحتَ المطر... غيرُ عابىءٍ بتحذيرات أمهِ يعدو للخارج ، ويا مطرة رخي رخي علي قرعة بنت أختي، بنت أختي قرعة قرعة خدها الديب ونزل يرعي، أسرابُ الجرادِ العابِر تُغطي السماء، خرج الأهالي بالأواني والصفائِح يطرقون عليها ويبتهلون لله لطردها.
أيقظهُ صوتُ الطرقِ علي الصفائح.
تسللَ نورُ الصباحِ لعينيه ، بداء في استكشافِ المكانِ. منسوبُ المياهِ ارتفع وتسلل لكابينةِ السيارةِ ، أخذ في الدعاءِ لله .
يقفُ أمام شجرةِ الجُميزِ ينتظرُ حبيبةً لن تأتي، ولن ينقُشا حروفَ اسميهِما علي سهمِ يخترقُ قلب.
تقدم لها عريسٌ لم تكن هي ولا أبوها يحلُمانِ بأفضلَ منه، تزوجته، هو عمدةُ البلدِ الآن وصاحبُ التريلا التي يقودها.
توقف المطر، صوتُ ابنتهِ الصغرى يتسللُ لأذنه :
- هات لي حاجة حلوة وانت جاي .
دار بالسيارةِ أخذه الحنينُ لبيتهم القديم، كان بعيدً عن الطريقِ الجديد الذي يتمُ إنشاؤه ... بيتُ للعمدةِ يعترضُ الطريق، حادوا بالطريقِ بعيدًا عن بيت العمدة فأصبح يمر لبيتهم ، هدموا البيت لإعتراضهِ الطريق، تحسر اباه... مات، ولحقت أمهُ بأبيه، سيطر عليه كرهه للظلم في صورة العمدة .
خفت حدةُ المطر ، بينما السيلُ المنهمرُ من الوادي الجبلي لا يتوقف ، حاولَ التحرُكَ داخل السيارة، أرتجت السيارة، علم أنه بوجودهِ في مكانهِ يحافظً علي توازنها ... سكن.
عاد المطرُ يهطل، ابنةُ أختهِ تبكي من غنائه (بنت أختي قرعة قرعة).
خبطٌ علي بابِ السيارة، انتبه، نظر ناحيةَ الزجاج، رجلُ إنقاذٍ مربوطٌ بحبلِ يشيرُ إليه، بدء التحركَ تجاهه، ارتجت العربة، ساعدهُ في فتحِ الباب، أمسك الرجلُ به ، سحبه، بدأت العربةُ في الإنحدار، أبتسم شامتًا فقد أنتقم من العمدة.
بقلم
سيد جعيتم
جمهورية مصر العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق